مباحث الموضوع :
1- التعريف .
2- عداوة الشيطان .
3- أسباب تمكن الشيطان من إفساد النفوس .
4- توضيح أن إتباع الشيطان مانع من موانع الهداية الإلهية .
5- علاج إتباع خطوات الشيطان .
أولاً : التعريف :
الشيطان: هو كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب (1) .
وهو مشتق من شطن أي تباعد أو من شاط : أي احترق غضباً ، واشتاط الرمل إذا احتد غيظاً وسمى الشيطان بذلك لبعده عن الصلاح والخير. والمقصود هنا شيطان الجن وهو إبليس اللعين وذريته وأعوانه وسمى بذلك لأنه أبلس من رحمة الله أي يئس منها(2) .
ثانياً : عداوة الشيطان:
إن عداوة الشيطان للإنسان هي أول عداوة حدثت في تاريخ البشرية في الوقت الذي كانا فيه في السماء ولحكمة يعلمها الله وظاهرها الابتلاء قدر الله هذه العداوة إذ أنه لا يمكن أن يبقى للحياة ذوق ولا أن تستقيم بغياب هذا الابتلاء أو سنة التدافع بين الخير والشر
لتحقيق الغاية التي أنزل الله لها هذين العنصرين (الشيطان والإنسان) من السماء إلى الأرض
قال الله تعالى ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾[ البقرة: 251],
وقال تعالى
﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[ الحج: 40] .
هناك بدأت المعركة قديماً بين أبينا آدم عليه السلام وبين إبليس لعنة الله عندما أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم فسجدوا إلا إبليس كما حكى الله ذلك عنه في قوله تعالى "
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ
شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾[البقرة:34, 36].
وفي سورة طه يقول الله تعالى:
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ
فِيهَا وَلا تَعْرَى …ـ إلى قوله تعالى ـ : قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾
[ طه: 115-123].
هنا أصبحت الأرض مسرحاً للعداوة والصراع بين هذين المخلوقين عنصر يمثل الخير وهو الإنسان المستمسك بعهد الله وهديه وعنصر
يمثل الشر وهو الشيطان الرجيم وكل منهما أوتي جوانب قوة وجوانب ضعف ينتصران من خلاله أو ينهزمان .
أيها القارئ الكريم اعلم أن العدواة بين الإنسان والشيطان قد أكد الله عليها في أكثر من موضع من كتابه الكريم من
قول الله تعالى ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾[ فاطر:6]
وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾[ البقرة:208]
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ﴾[ الإسراء: من الآية53
وغير ذلك من الآيات التي تبين العداوة بين الإنسان والشيطان .
وإن الله قد حذرنا أيما تحذير من أن نقع في حبائل الشيطان كما وقع الكثير من الناس
في ذلك كما قال ربنا تبارك وتعالى "
﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ﴾[ يّـس:60, 62].
وفي سورة آل عمران ذكرنا الله بإغواء الشيطان لأبينا آدم عليه السلام وحذرنا من أن يغوينا كما أغوى أبانا فقال تعالى:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ﴾[ الأعراف: من الآية27]
فعداوة الشيطان ظاهرة بينة ولذا كان أمر الله إلينا أن نتخذه عدواً كما جند نفسه عدواً لنا فقال تعالى :
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ﴾[ فاطر: من الآية6]
وأخبرنا الله في كتابه الكريم أن الشيطان سيظهر لنا حقيقة الأمر عندما يرجع الجميع إلى خالقهم قال الله تعالى
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[ إبراهيم:22]
ثالثاً : أسباب تمكن الشيطان من إفساد النفوس ومداخله:
يعتبر الشيطان مخلوق عنده من الذكاء والقدرة على الإغواء والتزيين الشيء الكبير ومن دهائه أنه لا يدخل على الإنسان من باب واحد وإنما يختار لكلٍ مدخلاً مناسباً له من الجهة التي يمكن أن يدخل عليه منها فيدخل على الزاهد من باب الزهد والعابد من باب العبادة، والغني من باب الغنى والفقير من باب الفقر والصالح من باب الصلاح والفاسد من باب الفساد وهكذا فإن لكل شيء مدخلاً يكون الدخول من قبله أسهل من أي مدخل آخر .
وقد بين الله لنا أن دخول الشيطان على الإنسان لا يأتي دفعة واحدة وإنما خطوة بعد أخرى حتى يسقط العبد في غضب الله ونقمته ومعصيته
قال الله سبحانه وتعالى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[ النور:21]
ودخول الشيطان وتمكنه من الإنسان سهل إذ أنه قريب من الإنسان قرين له كما قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾[ الزخرف:36]
بل إنه يجري في دمه كما ورد في الحديث الصحيح "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"(3).
والشيطان لخبثه لا يكاد يترك الإنسان ولا يبرح عنه حتى يسقطه في معصية الله تعالى كما قال الله تعالى في كتابه الكريم:
"﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً﴾[ النساء :117-120] .
وإن من صفات الشيطان المتأصلة فيه عدم اليأس في الإغواء بل يحاول المرة بعد الأخرى ويأتيه من جميع الجوانب الممكنة التي يمكن أن يوقعه منها وقد حكى الله ذلك في كتابه الكريم
فقال تعالى ﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾[ الأعراف:17]
ولما كان هذا هو شأن الشيطان يأتي للإنسان من حيث لا يكاد يشعر به ولا يراه
كما قال تعالى ﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ﴾
[ الأعراف: 27
فإن الله فضح حقيقة أمره وبين أنه ليس إلا مجرد خداع وزيف وغرور
كما قال تعالى
﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُوراً ﴾
[ الإسراء:64].
ثم أمر سبحانه عباده أن يسلكوا الطريق الموصل إليه وحذرهم من مكائد الشيطان ووساوسه وأساليبه فإنه السبب الأول في انحرافهم عن
هدى الله وعن الغاية التي جاء بهم الله من أجلها إلى هذه الحياة. وقد روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن عياض المجاشعي رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومى هذا .. إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً"(4) .
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :
"ألقى الله سبحانه العداوة بين الشيطان وبين الملك والعداوة بين العقل وبين الهوى ، والعداوة بين النفس الأمارة وبين القلب ،
وابتلى العبد بذلك وجمع له بين هؤلاء وأمد كل حزب بجنود وأعوان فلا تزال الحرب سجالاً ودولاً بين الفريقين
أن يستولي أحدهما على الآخر ويكون الآخر مقهوراً معه"(5).
ومن أساليب ووسائل الشيطان في الغواية كما ذكر بعض ذلك صاحب كتاب منهج الإسلام في تزكية النفس(6)
نذكره بتصرف وهي:
1- استغلاله لأهواء النفس وأمراض القلب :
وفي ذلك يقول الله تعالى ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾[ الحج:53
فإلقاء الشيطان هذا وإدخاله فيه ما ليس منه لا يتأثر به إلا ضعاف النفوس مع أن الله لا يبقي هذا الأمر
كما هو كما قال تعالى﴿ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾[ الحج:52].
وقال الله سبحانه وتعالى ﴿ وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[ الأنعام:43]
وعندما تستجيب النفس الأمارة لداعي الشيطان ويستغل الشيطان هوى النفس ليبث وساوسه وتخون النفس صاحبها لتصبح في صف ألد أعدائه
فهذا هو الخطر المحدق المهدد بالهلاك .
وكلما اتسعت دائرة تلك المشتهيات ازدادت مداخل الشيطان إلى داخل النفس وحينها يكون الإنسان عبداً للشيطان يحركه كيف يشاء .
2- التزيين والخداع :
التزيين هو تحويل الشيء عن صورته الحقيقية السيئة إلى صورة براقة جذابة .
والشيطان يزين المساوئ ويظهرها في شكل حسن مرغوب وقد توعد بني آدم أن يفعل فيهم هذا الفعل كما ذكر الله ذلك عنه في قوله :
﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[ الحجر:39]
وهكذا فعل الشيطان اللعين بأبينا آدم عليه السلام مع ما فيه من رجاحة عقل وقوة إيمان لكنه زين له المعصية وأقسم له بالله كاذباً
أنه له ناصح أمين فغرر بآدم فاغتر به قال تعالى
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾[ الأعراف:20-21] .
وهكذا كانت خطة إبليس في بنى آدم من بعد أبيهم كما قال الله تعالى: ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُوراً ﴾[النساء:120].
فإذا استجاب العبد لتزيين الشيطان وصدقه في أموره أصبح هذا مقارن له باستمرار يزين له السوء
قال تعالى: ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾[ فصلت:25].
وقوله تعالى ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾[ الزخرف:36] .
3- التدرج في الإغواء :
من خبث الشيطان وعداوته للإنسان فإنه يسعى أن لا يكون للإنسان طاعة ليكسبه إلى صفه وحزبه – أدعياء الشر وعصاة الرحمن ـ
لكي لا يبقى وحده المتهم الوحيد .
ولذلك فإنه يأخذ بكل الطرق التي توصله إلى مقصوده .
ووسيلة التدرج مع الخصم من أقوى الوسائل في إسقاط الخصم ولذا كانت هي الوسيلة الأساس للشيطان في إغواء البشر لاسيما وأنه قد نجح بهذه الوسيلة في إسقاط أبيهم آدم عليه السلام كما حكى الله ذلك في قوله ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾[ الأعراف:22].
ثم كان من بعد آدم أبناؤه وبنفس الأسلوب كما قال تعالى
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾[ الأعراف :16-17].
وقد فصل ابن القيم رحمه الله في الحديث عن هذا المكر الشيطاني الذي قلما يسلم منه بشر فبين رحمه الله أن الشيطان يقف للإنسان
في سبع عقبات هي:
عقبة الكفر فإن نجا منه العبد وقف له في عقبة البدعة ، ثم في عقبة فعل الكبائر، ثم في عقبة فعل الصغائر ،
فإن سلم من هذه العقبات وقف له في عقبة الإكثار من المباحات حتى تشغله عن الطاعات،
فإن غلبه المؤمن بإيمانه شغله بالأعمال المفضولة عن الأعمال الفاضلة ،
فإن سلم من ذلك وقف له في العقبة السابعة التي لا يسلم منها مؤمن إذ لو نجا منها أحد لنجا منها رسل الله وأنبياؤه،
وهي تسليط حزبه وجنوده من الأعداء الفجرة على المؤمن بأنواع الأذى،
وهذه العقبة لا حيلة للعبد في التخلص منها وما عليه إلا أن يراغم أعداءه، فمن تعبد لله بمراغمة عدوه فهو من أهل الاستقامة(7).
رابعاً : إتباع الشيطان مانع من موانع الهداية
إن أتباع الشيطان مانع أساس من موانع الهداية الإلهية حيث أنه سبب في كثير من المعاصي والآثام والجرائم التي تكون سبباً في منع هداية الله للعبد لأن القلب إذا أصبح مشرباً بالمعاصي فإنه يصبح قلباً أسوداً مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أتبع من هواه
وحينئذٍ لا يجتمع الهوى مع الهدى لأن القلب إذا حل به أحدهما لا يتسع للآخر.
ولا يمكن لهذا القلب أن يستقبل هدى الله إذ أن شأنه كالكأس المعكوس الذي لا يمكن أن يملأ بشيء إلا الهواء –
وكذلك هذا القلب لا يملأه إلا الهوى الذي هو نقيض الهدى
ومن خلال النقاط الآتية يتضح كيف أن أتباع الهوى مانع من موانع الهداية الإلهية:
أولاً : إتباع الشيطان يوقع الإنسان في الكفر بالله تعالى وإضلاله عن سبيله وصده عن هديه:
ففي إيقاع الشيطان أتباعه في الكفر يقول الله تعالى
﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾[ البقرة: من الآية102].
وذكر الله خبر قوم ارتدوا عن دين الله وأن سبب ذلك أتباع الشيطان قال الله تعالى
﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾[ محمد:25].
وفي الإضلال عن هدى الله والصد عن سبيله بسبب الشيطان بين الله ذلك عن قوم سبأ لما انصرفوا عن هدى الله فقال تعالى:
﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ﴾[ النمل:24].
وبين الله في كتابه الكريم كيف كان الشيطان سبباً في صد الأمم السابقة مع ما كان عندهم من النور والهدى
حيث قال تعالى
﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
[ العنكبوت:38]
" وقال تعالى: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[ النحل:63].
ولذا جاء أمر الله واضحاً في كتابه الكريم بتحذيرنا من صد الشيطان لنا عن سبيل الله
قال الله تعالى:
﴿ وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾[ الزخرف:62].
وذكر الله لنا في كتابه عن الذين ارتدوا عن دين الله وتراجعوا القهقرى عن دينهم أن ذلك كان بتسوييل الشيطان وآماله لهم
قال الله تعالى " ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ﴾[ محمد:25]
والشيطان بعمله هذا ينقل الإنسان من عبادة ربه تبارك وتعالى إلى عبادة الشيطان الرجيم ويصبح الشيطان إله له من دون الله
وقد حكى الله عن إبراهيم هذا الأمر وهو يخاطب أباه قال تعالى "
﴿ يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ﴾[ مريم:44,45]
ومن هذه الآيات يظهر الربط بين أتباع الشيطان وبين منع هداية الله تعالى بالإضلال عن سبيل الله والكفر به سبحانه وتعالى
وتكذيب رسله والصد عن سبيله .
ولما كان هذا هو حال هؤلاء مع الشيطان الرفقة والاستجابة لدواعي الشيطان ذكر الله أنه سيحشرهم بعضاً إلى جانب بعض في يوم القيامة
فقال تعالى ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً) ﴾[مريم:68].
وهناك في الآخرة – تنكشف الأمور وتظهر الحقائق فيأتي الشيطان ليعترف أمام الخلق بما كان منه من خداع وتزيين وإغواء في الحياة الدنيا
كما حكى الله ذلك عنه في قوله تعالى:
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي
فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
[ إبراهيم:22]
1) العداء لأنبياء الله عليهم السلام والاستهزاء بالمؤمنين:
قال الله تعالى﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾[البقرة:14]
وهذا هو حال المنافقين الذي يبطنون مالا يظهرون .
وقال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾[ الأنعام:112]
فالشياطين وأتباعهم يشكلون جبهة واحدة لمحاربة أنبياء الله تعالى .
2) تزيين الأعمال السيئة للناس:
قال الله تعالى﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[الأنفال:48].
وكذلك قوله تعالى ﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[ الأنعام:43]
وبدأ هذا التزيين أول ما بدأ مع أبينا آدم وكانت نتيجته معصية أبينا آدم عليه السلام لخالقه سبحانه وتعالى وخروجه من الجنة إلى دار الابتلاء التي هي الأرض قال الله تعالى﴿فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[ الأعراف:22]
فكان جزاء الله لهما على هذه المعصية أن أخرجهما من الجنة إلى الأرض لتكون هي دار الصراع قال الله تعالى
﴿ فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاعُ إلى حين ﴾[البقرة :36].
أ- التحاكم إلى الطاغوت والقتال في سبيله :
قال الله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً﴾[النساء:60],
وقال تعالى ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ﴾[النساء:76].
ب- ارتكاب المحرمات :
الشيطان يوقع الإنسان في كل ما يتمكن إيقاعه فيه من المحرمات التي حرمها الله تعالى.
– فمن ذلك الخمر والميسر الأنصاب والأزلام قال الله تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾[المائدة:91-90]
– ومن ذلك تزيين القتل كما حكى الله عن موسى قال تعالى
﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ
فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾[ القصص:15]
وكما حكى الله عن إخوة يوسف في قوله تعالى : ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾[ يوسف:5]
– ومنها الأكل مما حرم الله كما قال تعالى :
﴿ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾
[ الأنعام:121]
وقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾[ البقرة:168]
– ومنها الإرجاف والإشاعة كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[ النساء:83]
– ومنها الخوض والقعود مع الخائضين قال تعالى
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[ الأنعام:68]
– ومنها النزغ وإثارة العداوات قال الله تعالى : ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[الأعراف:200]
وقوله تعالى في قصة يوسف ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾[ يوسف:100]
وقوله تعالى ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ﴾[ الإسراء:53]
– ومنها التبذير والإسراف – في أي أمر من الأمور-
كما قال تعالى "﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ﴾[ الإسراء:27]
– ومنها المجادلة في الله بغير علم. قال تعالى﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾[ الحج:3].
– ومنها الأمر بالفحشاء والمنكر. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾[ النور:21]
– ومنها أتباع ما كان عليه الآباء وترك ما جاء من عند الله
قال تعالى:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾[ لقمان:21]
– ومنها النجوى وإسرار الحديث عن المؤمنين.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾[ المجادلة:10].
4) التخذيل عن الطاعات :
فإنه كلما أراد الإنسان أن يتقرب إلى الله سبحانه بالطاعات كلما كان الشيطان له فيها بالمرصاد فإن استطاع أن يخذله ويبعده عنها فقد ظفر بالمطلوب وإن لم يستطع ذلك حرص على أن يكون فيها عيباً أو نقصاً ينقص من أجرها ويخل بكمالها وهذا في كل طاعة يعزم الإنسان أداءها .
فالصلاة مثلاً يوسوس لصاحبها ويشغل ذهنه وقلبه عن الحضور فيها إذا لم يستطع صرفه عنها فيخرج الرجل من صلاته
وليس له من الأجر إلا ما حضر فيها
كما ورد في الحديث الصحيح "إن الرجل لينصرف من الصلاة وما كتب له منها إلا تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها"(8)
وقد تخصص لهذا العمل وهو صرف الإنسان عن صلاته شيطان خاص كما ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام وهو الذي يسمى "خنـزب".
والإنفاق مثلُ آخر فإذا عزم العبد على أن يتصدق من ماله خوفه بالفقر فيخذله عنها
كما قال تعالى﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[البقرة:268]
وإذا لم يخذله عنها لبس له في نيته وأدخل الرياء فيها
قال تعالى﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً﴾
[النساء:38]
ومن تخذيل الشيطان عن الطاعة أيضاً النسيان إذ ينسيه الشيطان عن العمل الصالح بإشغاله بأشياء أخرى
قال تعالى
﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
[المجادلة:19]
وكما ذكر الله بشأن موسى في خبر الحوت
قال الله تعالى ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً ﴾
[الكهف:63]
وكذلك ما ذكره الله عن صاحب يوسف في
قوله تعالى﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾
[يوسف:42]
" فكانت النتيجة سنوات قضاها يوسف في السجن﴿ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾[ يوسف:42].
ومن ذلك أيضاً ما حكاه الله عن أنبيائه عليهم الصلاة والسلام فما من نبي تمنى أمنيةً إلا ألقى الشيطان في أمنيته ما يكون فتنة لضعفاء النفوس
قال الله تعالى
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
[ الحج:52]
خامساً : العلاج من أتباع خطوات الشيطان ومداخله :
إن الله سبحانه الذي قدر هذا الصراع والعداء بين الشيطان والإنسان لم يمكن أحدهما من غلبة الآخر دون أن يعطي للآخر ما يدافع به عن نفسه
وإلا كانت موازين الصراع غير متكافئة ولذا كانت الحرب سجالاً إما أن يغلب الشيطان الإنسان أو يغلب الإنسان الشيطان.
إلا أن الله تعالى من كرمه علينا جعل لنا قوة أخرى خارجةً عنا نغلب بها الشيطان هي قوة الله بقوة الارتباط به واللجوء إليه تعالى
قال الله تعالى
﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[ النحل:99]
وكيد الشيطان على قوي الإيمان كيداً ضعيفاً لا يكاد يؤثر علي
ه كما قال تعالى ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ﴾[ النساء: من الآية76].
ومن العلاج لمداخل الشيطان ما يلي:
أولاً : العبودية الصادقة والإيمان القوي بالله تعالى:
العبودية الصادقة والإيمان القوي من أهم الأدوية لدفع الشيطان إذ أن الله تعالى قد كفل لمن حقق العبودية لله بأن يحفظه من الشيطان الرجيم.
قال تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾[ الحجر:42]
وكما في الآية المذكورة قريباً وهي قوله تعالى﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )
[ النحل:99].
والعبودية الحقة هي ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الوابل الصيب قال رحمه الله: "فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء
كما له عبودية في السراء وله عبودية فيما يكره كما له عبودية فيما يحب. وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية
في المكاره ففيه تفاوت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى.
فمن كان عبداً لله في الحالتين قائماً بحقه في المكروه والمحبوب فذلك تناوله قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾[ الزمر: من الآية36].
العامة مع العبودية التامة والناقصة مع الناقصة فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"(9).
ثانياً : الاستعاذة(10):
إن الله سبحانه وتعالى قد وجه المؤمنين وبين لهم بأن العلاج الفوري والحاسم من نزغة الشيطان ووسوته هي الاستعاذة بالله
والتي هي بمعنى الاحتماء بالله والالتجاء إليه والنصرة به وتفويض الأمر إليه .
قال الله تعالى:﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[ الأعراف:200].
وكذا قوله تعالى :﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾[ المؤمنون :197, 198].
وقد أنزل الله تعالى المعوذتين ومن فضلهما أنهما حصن من الشيطان يقرأهما المسلم صباح مساء.
ثالثاً : ذكر الله تعالى(11):
إن مداخل الشيطان على الإنسان ثلاثة الغفلة الشهوة والغضب وعلاج الغفلة الذكر فإذا تسلط الشيطان على الإنسان
ذكر الله فانسلخ عنه الشيطان وابتعد مهرولاً
وفي ذلك يقول الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾[ الأعراف:201]
وما تمكن الشيطان من العبد إلا بعد أن غفل هذا العبد
عن الله كما قال تعالى :﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾[ المجادلة:19]
فما استحوذ الشيطان عليهم إلا بعد أن أنساهم ذكر الله وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم دلالة على ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة: عليك ليلُُ طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"(10).
وفي ذلك يقول ابن القيم : بالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان" (13)
وأفضل الذكر تلاوة القرآن الكريم وبخاصة آية الكرسي وأواخر سورة البقرة فهما حرز من الشيطان
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"(15).
ومن الأذكار التي تطرد الشيطان وتحافظ على الإنسان من وساوسه وأذاه منها: قراءة آية الكرسي عند النوم فمن قرأها لم يقربه الشيطان،
ومن قرأ الآيتين من سورة البقرة كفتاه
ومن قال في يوم مائة مرة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد
وهو على كل شيء قدير كانت حرزاً له من الشيطان يومه كله.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه"(16) .
ومنها أيضاً ما رواه مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه :
قال : يا رسول الله إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها على
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، وأتفل على يسارك ثلاثا "(17)
ففعلت ذلك فأذهبه الله عز وجل عني
" وأمر ابن عباس رجلاً وجد في نفسه شيئاً من الوسوسة والشك أن يقرأهو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم"
والحمد لله رب العالمين ،،
إعداد: سمير الشميري.
مراجعة: علي عمر بلعجم.
(2) – مختار الصحاح2/63.
(3) ـ البخاري 2/717، حديث رقم : 1933، ومسلم 4/1712، حديث رقم: 2174.
(4) ـ أخرجه مسلم 4/ 2197، حديث رقم : 2865.
(5) – الفوائد لابن القيم/60.
(6) ـ منهج الإسلام في تزكية النفس /66 .
(7) – مدارج السالكين 1/222.
(8) ـ سنن أبي داود 1/271، حديث رقم: 796، وحسنه الألباني.
(9) – الوابل الصيب صفحة 16, بتصرف.
(10) – من منهج الإسلام في تزكية النفوس د. كرزان.
(11) – من تزكية النفوس. كرزان.
(12) – أخرجه البخاري, وسلم 5/46.
(13) – مدارج السالكين (2/424).
(14) – من الوابل الصيب/ 179بتصرف.
(15) – أخرجه مسلم 1/ 539 حديث رقم: 780.
(16) ـ سنن أبي داوود 1/265 ، حديث 775 .
(17) ـ أخرجه مسلم 4/1728، حديث رقم: 2203.
منقول للأهميته
جزاك الله خيرا يا غاليتي ..
موضوع مميز وطرح رائع
تقبلي مروري المتواضع
دمت بود
مشاركتك المميزة..
فى انتظار جديدك يا قمرررررر….
بارك الله فيك
وجزاك الله خير الجزاء
سلمت ايدك