السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ السديس 2024.

السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة .. للشيخ السديس
السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة .. للشيخ السديس
السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة .. للشيخ السديس

دار

السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة .. للشيخ السديس


إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينُك ونستغفرُك ونُثنِي عليك الخير كلَّه، سبحانك ربنا وبحمدك، توالَت مِنَنُك علينا وُحدانًا ووفدًا، الحمد لله حمدًا دائمًا وكفى، شكرًا على سيبِ جدواه الذي وكَفَا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نستلهِمُ به التوفيقَ والرُّشدَا، وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله أزكى البريَّة سيدًا وعبدًا، صلَّى الله عليه وعلى آله الأطهار محتِدًا لم يزَل يندَى، وذريَّتِه المُبارَكين ثناءً ومجدًا، وصحابته الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ممن هامَ بهم اقتداءً ووجدًا، سلِّم إله العرش تسليمًا عديدًا مديدًا هم به أحرى وأجْدا.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله – تعالى – حقًّا حقًّا؛ فتقواه – تعالى – هي الحُلَّة الأنقى والعصمةُ الأبقى، تصلح أحوالُكم وترقَى، وتبلُغوا من الأمجاد شأوًا مجيدًا وسَبقًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

فمن تدرَّع بالتقوى استنارَ بها *** وباتَ في بهجةِ الأعمال جذلانًا
فسِرْ أمامك دربُ الخير مُزدهِرٌ *** شُجونُه امتلأت روحًا وريحانًا

أيها المسلمون: حينما تكثُر الفتنُ في الأمة والمُتغيِّرات، وتدلهِمُّ الخُطوبُ والمحنُ في المجتمعات، ويُخيِّمُ على سمائها الصافية سُحُبُ المخالفات، فيلتبِسُ الحق بالباطل، ويختلطُ الهدى بالضلال؛ فإن الأمة لن تجِدَ إلا في التمسُّك بالكتاب والسنة المُستعصَم؛ لأن في الكتاب والسنة الفوزَ والنجاةَ من المحَن، والمخرجَ من الورَطات والفتن.

وإنه في هذا العصر وبعد أن تسرَّبَت إلى صفوف الأمة ألوانٌ من المسالك المُنحرفة، وتسلَّلت صنوفٌ من الطرق الفاسدة، واختلطَ الحابلُ بالنابل، وتشعَّبت المناهجُ والغايات، وعمَّت الفتن والابتلاءات، وتفرَّقت الأمةُ شيَعًا وأحزابًا، وتاهَت في أيام الزمان أعوامًا وأحقابًا، وثارَت عليها عواصفُ التغيير والمُستجِدَّات، وهبَّت عليها أعاصير التموُّجات والتحوُّلات، وتداعَت عليها الأمم؛ فإنه لا منجَ لهذه الأمة إلا بالتمسُّك بكتاب ربها وسنة نبيها – صلى الله عليه وسلم -.
يقول – سبحانه -: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123]، ويقول – عليه الصلاة والسلام -: ((تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تضِلُّوا بعدي أبدًا: كتابَ الله وسنتي))[خرَّجه مالك في "الموطأ"].

معاشر المسلمين: وإن الوهَن الذي أصابَ الأمة، والضعفَ الذي حلَّ عليها كالغُمَّة، حتى انقلَبَت الموازين واختلفَت المقاييس، وانتكَسَت الرايات، واحلولَكَت الظلمات، وعلَت الفتنُ كأمواج البحار الهادِرة، وصار أفرادُ الأمة كضرائر الحسناء، وفشَت فيهم مُعضِلات الأدواء، فعَلا صوتُ الغوغاء فوق الحُكماء.

فالوحيُ كافٍ للذي يُعنَى به *** شافٍ لداء جهالةِ الإنسان
واللهِ ما قال امرؤٌ مُتحذلِقٌ *** بسواهما إلا من الهَذَيَان

إخوة الإسلام: وإن امتطاءَ صهوة الأهواء، والافتتان بالآراء، والبُعد عن كتاب الله وسنة رسوله – عليه الصلاة والسلام – لهُوَ الضلال والخُسران والخِزيُ والحِرمان؛ حيث الفتنةُ المُشتدَّة، والمحنُ المُتلاحقةُ المُمتدة، وقد قال ربُّنا – سبحانه – وهو أصدق القائلين -: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101].

قال الإمام الطبري – رحمه الله -: "ومن يتعلَّق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته فقد وُفِّق لطريقٍ واضح، ومحجَّةٍ مُستقيمةٍ غير مُعوجَّة".

وفي الحديث: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن السعيدَ لمن جُنِّبَ الفتن، إن السعيدَ لمن جُنِّبَ الفتن، ولمن ابتُلِي فصبَر فواها))[خرَّجه مسلم في "صحيحه"].

وأحييتَ في الإسلام علمًا وسنةً *** ولم تبتدع حكمًا من الحكم أزحمَا
ففي كل يومٍ كنتَ تهدِمُ بدعةً *** وتبنِي لنا من سنةٍ ما تهدَّمَا

يقول الإمام مالك – رحمه الله -: "لا يصلُح آخرُ هذه الأمة إلا بما صلح بها أولُها"، فإذا كان أولها صلَح بالكتاب والسنة فلن يصلُح آخرُها إلا بالكتاب والسنة.

أمة الإسلام: لقد أمرنا الله – تعالى -بالرجوع إليه وإلى رسوله – صلى الله عليه وسلم – عند التنازُع والاختلاف، يقول – سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء: 59)].

قال مجاهد – رحمه الله – في قوله – تعالى -: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ): "أي: فرُدُّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -".

وأخرج أهلُ السنن من حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((.. فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعيد، عضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدَثات الأمور؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة)).


الراوي: – المحدث: الألباني – المصدر: صلاة التراويح – الصفحة أو الرقم: 86
خلاصة حكم المحدث: صحيح


ولذلك فإن الواجبَ على الأمة الرجوع في المُشكِلات – لا سيما عند الأزمات – إلى الراسخين في العلم الصادقين في الدين؛ فهم أكثرُ الناس فقهًا وعلمًا، وأعلم الناس بالحلال والحرام ومقاصد الأحكام، الذين يعرفون المُحكَم من المُتشابِه؛ كما جاء عنهم في قوله – سبحانه -: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 7].

فالرجوع للعلماء الراسخين في العلم – لا سيما في زمن الفتن والنوازل – ليس اختيارًا؛ بل هو فرضٌ شرعي، وأمرٌ إلهي.
يقول – تعالى -: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83].

ومن منارات ودلائل الاهتداء في الفتن: البُعد عن كل ما يُفضِي إلى الفُرقة والاختلاف؛ ومن ذلك: ما يحصُل من بعض المُجادَلات العقيمة التي تُثير الشحناء والبغضاء، فقد كرِه النبي – صلى الله عليه وسلم – من المُجادَلة ما يُفضِي إلى الاختلاف والتفرُّق؛ فقد روى الترمذي في "سننه" أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج على قومٍ من أصحابه وهم يتجادَلون في القدَر، فكأنما فُقِئَ في وجهه حبُّ الرمان، وقال: "أبِهذا أُمِرتم؟ أم إلى هذا دُعيتُم؟ أن تضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض، إنما هلكَ من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض".


الراوي: جد عمرو بن شعيب المحدث: الألباني – المصدر: تخريج مشكاة المصابيح – الصفحة أو الرقم: 228
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

أمة الإسلام: وإنه إزاء ما تعيشُه بعضُ بلاد المسلمين من فتنٍ وأحداث فإن كل غيورٍ مهتمٌّ بشأن أمته يُلاحِظُ أنه حدَثَت فتنٌ في تضاعيف هذه الأحداث تُشعِلُ فتيلَها والأُوَار، وتسكُبُ الزيتَ على النار، وتعمل على إذكاء النَّعَرات والعصبيات التي تُفاقِمُ الأوضاع سوءًا، وتُمكِّن لأعداء الأمة استغلالَها لأغراضٍ خطيرة، مما يتطلَّبُ الوعيَ والإدراكَ لما يُحاكُ للأمة الإسلامية من مُؤامرات ترمي إلى الإضرار بوحدتها والعبَث بأمنها واستقرارها، وتشحنُ النفوس نحو الفتنة والفُرقة بدعواتٍ مُضلِّلة، وشائعاتٍ مُغرِضة تنالُ من الثوابت والمُسلَّمات، وتطالُ الإساءة للرموز والمُحكَمات، أو المُزايَدة على الشريعة والتهجُّم على دُور العبادة ليتحقَّق للأعداء ما يُريدون من إهدارٍ للطاقات، وتدميرٍ للمُقدَّرات، بما أفضى إلى إشغال أمتنا عن كُبرى قضاياها ونكئِ مآسيها في ذكرى نكبتِها.

ولعل الغُيُر يتفاءَلون بأَخَرة بالمُصالحة والاتفاق بعد التجافي والافتراق.

أمة التوحيد والوحدة: وإن من الفتن التي ضاعَفت المِحنُ علَّتها، ودأَبَت على تأجيج جذوَتها: فتنةَ إذكاء النَّعَرات الطائفية المَقيتة المُحتدَّة، والعصبية الشتيتة المُمتدَّة التي انحرَفَت عن الولاء الصحيح، وفرَّقَت صفَّ الأمة الصريح.
إن ركوبَ موجة النَّعَرات الطائفية الجانحة المُتدرِّعة بحُجَجٍ واهية – وفي هذه الآونة تحديدًا – لم يكن من دَيدَنه إلا تصديرُ الفتن والقلاقِل والبغضاء، وصناعةُ الزوابِع والشحناء، وإفسادُ العلاقات البريئة بين أفراد المجتمع الواحد، وبين أفراد الأمة جمعاء؛ تشتيتًا للوحدة الإسلامية: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92]، دون عقلٍ رادِع، ولا ضميرٍ وازِع.

وإن من المُقلِق للغَيُورين: أن تلكم النَّعرات الرَّعناء قد أمِرَ أمرُها وازداد، وتوسَّع مدُّها وارتاد، ولكن دون إنصافٍ أو سداد؛ حيث تتناولُ الحقائقُ المُدلَّلة الراسخة بالمُغالطات الماسِخة، وتتصدَّر الحقَّ الصُّراح، بالتمويه والجُناح، وأسانيد مبتورة الجَناح.

ولعَمرُ الله؛ إنه لا فوز للأمة وسعادة للخلق إلا بالدين الحق على هدي الوحيَيْن الشريفين.

وإن كتابَ الله أعدلُ حاكمٍ *** فيه الشِّفا وهدايةُ الحيرانِ
والحاكمُ الثاني كلامُ رسوله **** ما ثمَّ غيرُهما لذي إيمانِ

وصدق الله العظيم حيث يقول في كتابه الكريم – وهو أصدق القائلين -: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

بارَك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من جميع الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمٍ أثنَت بها الجوارِحُ والسرائر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لهَجَت بها الألسُن والضمائرُ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله أزكى الأوائل والأواخر، من اقتفى هديَه حازَ المآثِر والمفاخِر، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وذريَّته النجومِ الزواهِر، وصحابته البالغين أسمى البشائر، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله -، والزَموا دينَ الحق وما له من زكِيِّ الشعائر تفوزوا بخير الجزاء وعظيم الذخائر، وتُهدَوا إلى أسنَى الدلائل والبصائر.
معاشر المسلمين: وفي خِضَمِّ هاتيك الأمواج وزخارِها الثَّجَّاج، واستشرافًا لآفاق مُستقبلٍ أزهرٍ أغرّ؛ لزِمَ المجتمعات والأمم أن يُعيدَا صياغةَ أذهان الجيل من الشباب والفَتَيات، وتنمية الوعي الإسلامي الصحيح لديهم، في تواكُبٍ لأحداث العصر ومُتطلَّباته، وتطوُّراته وتحدياته، واستنهاضِهم للاعتزاز بالهديَيْن الشريفين: كتابِ الله وسنةِ نبيه – صلى الله عليه وسلم -؛ تحقيقًا لوحدة الأمة، وترسيخًا لأُخُوَّة الإسلام.

كُن في أمورك كلِّها مُتمسِّكًا *** بالوحي لا بزخارِفِ الهَذَيَانِ
واتبَعْ كتابَ الله والسننَ التي *** جاءت عن المبعوثِ بالفُرقانِ

أيها الإخوة الأحبة في الله: وإن من منارات الاهتداء عند الفتن: تعظيم النصوص الشرعية، ولزوم الثوابت المرعيَّة، والاعتصام بالجماعة، والحذر من كل من يُريد إذكاء الفتن، وتفاقُم الأوضاع، وتأجيج الفُرقة والنزاع والشِّقاق والصِّراع، والتجاوُز على مُكتسَبات الأوطان، ومُقدَّرات الشعوب والبُلدان، والسعي في الأرض بالفساد، وعدم الانسياق المحموم والإغراق والسَّعار المذموم إزاء ما تبُثُّه القنواتُ الفضائية والشبكات المعلوماتية مما يبعثُ على التهييج والإثارة، في غيابٍ لصوت العقل والحكمة والنظر للمصالح العُليا، واعتبار المآلات، وألا تُنزَّل النصوص الشرعية في الفتن والملاحِم وأشراط الساعة على الوقائع والنوازِل المُعاصِرة بعينها.

كما ينبغي الإقبال على العبادة، والتزامُ الطاعة؛ فقد ورد عند مسلم وغيره: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "العبادةُ في الهَرْج كهجرةٍ إليَّ".

والإكثارُ من التوبة والاستغفار والإنابة والدعاء والضراعة: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 42، 43)].

تمسَّك بحبل الله واتبعِ الهُدى *** ولا تكُ بدعيًّا لعلك تُفلِحُ
ودِن بكتابِ الله والسننِ التي *** أتت عن رسول الله تنجُو وتربحُ

حفظَ الله أمتنا الإسلامية من شُرور الفتن كلِّها ما ظهر منها وما بطَن، وأدام علينا نعمةَ الأمن والإيمان والاستقرار والرخاء، إنه وليُّ التوفيق والسداد والرجاء.

هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على خير الورَى، كما أمركم بذلك – جل وعلا -، فقال – عزَّ من قائلٍ كريمًا -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
وقد قال – عليه الصلاة والسلام – فيما أخرجه مسلمٌ في "صحيحه": ((من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا)).

فصلواتُ الله مع تسليمه ما *** جرى له في البحر فُلكٌ سَبْحُ
أبدًا تُهدَى إلى الخير الورَى *** من له في كُتْب الرحمن مَدحُ
أحمدُ والآلُ والصحبُ ومَنْ *** لهم يقفُو على الإثر وينحُو

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مستقرًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأدِم الأمن والاستقرار في بلادنا، وأصلِح ووفِّق أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق إمامنا بتوفيقك، وأيِّده بتأييدك، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم وفِّق جميع ولاة المسلمين لتحيكم شرعك واتباع سنة نبيك – صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعلهم رحمةً على عبادك المؤمنين.
اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضِلاَّت الفتن، اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضِلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المَدينين، واشفِ برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم احقِن دماء المسلمين، اللهم احقِن دماء المسلمين، اللهم احقِن دماء المسلمين، اللهم احفظ دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم طهِّره من رِجس الصهاينة المُعتدين المُحتلِّين يا قوي يا عزيز، يا أكرم الأكرمين يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك التوفيق لما تحبُّ وترضى يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة .. للشيخ السديس
السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة .. للشيخ السديس
السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة .. للشيخ السديس

جزاك الله خير وجعله في موازين حسناتك
سلمت يداك
لاحرمت الاجر والثواب
لاعدمناك
طرح رائع
جزاك الله عنا كل خير
وأثابك حسن الدارين
ومتعك برؤية وجهه الكريم
شكرا جميلا لقلبك
ورضا ورضوان من الله تعالى

بارك الله فيك
وجزاك الله خير
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
انار الله قلبك بالايمان
سلمت يمنياك على الطرح
وفقك الله لما يحبه ويرضاه

دار

دار

الاعتصام بالكتاب والسنة – الشيخ عبد البارى الثبيتى 2024.

الاعتصام بالكتاب والسنة – الشيخ عبد البارى الثبيتى

دار

الحمد لله، الحمد لله الذي حثَّ عبادَه على الاعتصام بالكتاب والسنَّة، أحمده – سبحانه – وأشكرُه ذو الفضل والمنَّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعاذّ عبادَه من شرِّ الناس والجِنَّة، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه قائدُ المؤمنين ودليلُ المِلَّة، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه في السرَّاء والمُلِمَّة.

أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي الزادُ يوم المعاد، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

مع مُدلهمَّات النوازِل النازلة، والمِحن التي تعصِف بالأمة، وتشتُّت الآراء، والنَّزيف الدمويّ الذي يُراق، يتساءَلُ الجميع: ما المخرَج، وما السبيلُ لإطفاء نار الفتن المُتأجِّجة، ووأد الشحناء المُتصاعِدة، والسَّير بمُكتسَبات الأمة إلى بَرِّ الأمان.

قال الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].

الاعتصامُ بالكتاب والسنَّة أعظمُ فرائض الإسلام، وأجلُّ أركانه، وبهما تتحقَّقُ للأمة العصمةُ والنجاة، كما يستمسِكُ الغريقُ إذا وجدَ ذلك الحبلَ وهو يخشَى الغرق.

الإسلامُ وحده هو الذي يجمعُ القلوبَ المُتنافِرة، ويُطفِئُ الشرارة المُلتهِبَة، ويُزيلُ شحناءَ النفوس، قال الله تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63].

الاعتصامُ بحبل الله المتين أمانٌ من الزيغ والضلال، ويجمعُ الأمةَ تحت لواء "لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله"، يُقوِّي اللُّحْمة، ويقتلُ الأطماع، ويُسقطُ الرايات الزائِفة، وبه نُواجِهُ مكرَ وكيدَ الأعداء.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يرضَى لكم ثلاثًا ويكرهُ لكم ثلاثًا، يرضَى لكم: أن تعبدوه ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأن تعتصِموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأن تُناصِحوا من ولاَّه الله أمرَكم. ويكرهُ لكم: قيل وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعةَ المال»؛ أخرجه مسلم.

قال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾ [آل عمران: 103].

ظلَّت الحربُ مُستعِرةً بين الأوس والخزرَج مائةً وعشرين عامًا، وأصلُ القبيلتين واحد، ولما جاء الإسلامُ هذَّب النفوس، وأزالَ لوثات الجاهلية ونعرَاتها، وأصبحَ الجميعُ بنعمة الإسلام إخوانًا.

ولما خطبَ النبي – صلى الله عليه وسلم – في الأنصار بشأن غنائم حُنين، قال لهم: «يا معشر الأنصار! ألم أجِدكم ضُلاَّلاً فهداكم الله بي؟ وعالةً فأغناكم الله بي؟ ومُتفرِّقين فجمعَكم الله بي؟».

كلما قال شيئًا قالوا: الله ورسولُه أمنُّ. ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾.

قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "إن الرَّحِم لتُقطَع، وإن النعمةَ لتُكفَر، وإن الله إذا قاربَ بين القلوب لم يُزحزِحها شيءٌ أبدًا"، ثم قرأ: ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63].

قال رجلٌ لابن مسعود – رضي الله عنه -: كيف أصبَحتم؟
قال: "أصبَحنا بنعمة الله إخوانًا".

ولما لا يكونوا إخوانًا وربُّهم واحد، ونبيُّهم واحد، وقبلتُهم واحدة؟!

وتأكيدًا لهذه القاعدة الكُبرى هيَّأ الشرعُ الأسبابَ التي تُقوِّي بُنيانَ الائتلاف، وتشُدُّ عضُدَ الاجتماع؛ فصلاةُ الجماعة يتحقَّقُ فيها الاجتماعُ خمسَ مرَّاتٍ، والتراصُّ في الصفوف وتقارُب الأجسام والأقدام والمناكِب، وهذا الاجتماعُ الأسبوعيُّ في يوم الجُمعة، واجتماعٌ سنويٌّ في صلاة العيد، والزكاة التي تُمثِّلُ التكافُل الاجتماعي، ومعاني التراحُم والتعاطُف، وصيامُ رمضان الذي يُوحِّدُ الأمةَ بأعماله في ليلِه ونهارِه، والحجُّ التقاءٌ سنويٌّ من بُلدان عدَّة وأجناسٍ شتَّى. يلقَى المسلمُ أخاه من أقصَى الدنيا وأدناها، فيُبادِرُه التحية ويعيشُ معه جلالَ الأُخوَّة وجلال المحبَّة.

لكن مما يعصِرُ القلبَ ألمًا، ويَزيدُه همًّا: ما يشهَدُه المُتأمِّل من شِقاقٍ أليم، وتنازُعٍ عميقٍ في جسَد الأمة الكبير.

عن جابرٍ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الشيطانَ قد أيِسَ أن يعبُدَه المُصلُّون في جزيرَة العرب، ولكن في التحريشِ بينهم».

ينشَأُ التفرُّق المقيت والاختلافُ المذموم من اتباع الأهواء والأطماع الشخصية، والسعي إلى تحقيق الذات.

ومن الجهل والظلم: الفُرقة والشِّقاق والاختلاف المذموم، كلُّ ذلك يُعطِّل مسيرةَ الأمة، ويُعيقُ تنميَتها، ويُبدِّد طاقاتها، ويُبعِدُها عن تحقيق آمالها وبلوغ أهدافها. والمستقبلُ الذلُّ والتقهقُر وسوءُ المصير.

لقد حذَّر القرآنُ الكريمُ المُسلمين من الفُرقة التي تُخلخِلُ الصفوف، وتُفضِي إلى زوال الأمم وانهِيارها، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رجلاً قرأ آيةً وسمعتُ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأُ خلافَها. فجئتُ به إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتُه، فعرفتُ في وجهه الكراهية، وقال: «كلاكُما مُحسنٌ، ولا تختلِفوا؛ فإن من كان قبلَكم اختلفوا فهلَكوا»؛ رواه البخاري.

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 159].

فالذي يُريدُ أن يُفرِّق المُسلمين ويُشتِّت جمعَهم، ويجعلَهم فِرقًا مُتنافِسة، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – بريءٌ منه.

بسبب الاختلاف والتفرُّق اغتُصِبَت بلادُ المُسلمين، ونُهِبَت ثرواتُهم، ودُنِّسَت مُقدَّساتُهم.

وبسبب الاختلاف والتفرُّق تباعَدَ المُسلمون وتناحَروا، وأحبَّ المُسلمُ وأبغضَ في غير ذات الله، وقد يؤُولُ الأمرُ إلى استباحَة قتال بعضِهم بعضًا؛ لاعتقاد كلِّ طرفٍ ببُطلان ما عند الطرف الآخر.

ولذا نهى الإسلام عن الاقتتال بين الإخوة في الدين، قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «فإن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كُحرمة يومكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدكم هذا»؛ رواه البخاري ومسلم.

قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: والذي نفسي بيده؛ إنها لوصيَّةٌ لأمته: «لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضربُ بعضُهم رقابَ بعض»؛ رواه البخاري ومسلم.

الدماءُ شأنُها عظيم؛ بل قطرةُ دمٍ زكيَّة تُراقُ تجرُّ إلى مآلٍ وخيم، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

وقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «لن يزالَ المؤمنُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا»؛ رواه البخاري.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على نعمائه، والشكرُ له على فضلِه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضِه وسمائه، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه لا مثيلَ له في صلاتِه وقيامِه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه.

أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].

وبهذا نعلم أن الاعتصامَ بحبل الله المتين هو الحِصنُ الحصين، والحِرزُ المتين لجمع كلمة المُسلمين، ولمِّ شملِهم، وقوَّتهم ومنَعَتهم، قال الله تعالى: ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13].

وفي هذا السِّياق جاء الموقفُ التاريخيُّ الذي تجلَّى في معاني كلمة خادم الحرمين الشريفين الملكعبدالله بنعبدالعزيز الذي أكَّد على استقرار مصر وأمنِها، كما أكَّد فيها على وحدة الصفِّ، ونبذ العُنف، ودرءِ الفتنة.

ولا يخفَى – عباد الله – أنه إذا ارتفعَت أصواتُ التنازُع، وبرزَت مظاهرُ الفُرقة في ديار المُسلمين وجبَ عليهم التحاكُمُ إلى كتاب ربِّهم وسُنَّة نبيِّهم – صلى الله عليه وسلم -، ووجبَ على علمائِهم وعُقلائِهم وأهل الرأي الالتجاءُ إلى المولى بصدقٍ وإخلاصٍ، والسعي لرأبِ الصدع، وجمع الكلمة، ونبذ الهوَى والتعصُّب. وهذا مقصدٌ أسمَى، ومسلكُ المُخلِصين وطريقُ الناصِحين.

ومن الواجبُ أن تُذعِنَ الأمةُ لقول الحق وصوت العقل؛ لتعصِمَ نفسَها من فتنةٍ عمياء، وشرارةٍ دهماء تدَعُ الحليمَ حيرانًا، وقد تضربُ الأخضرَ باليابس.

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

ألا وصلُّوا – عباد الله – على رسول الهُدى؛ فقد أمرَكم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته كما صلَّيتَ على إبراهيم وأزواجه وذريَّته، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك اللهم على محمدٍ وأزواجه وذريَّته كما بارَكتَ على إبراهيم وأزواجه وذريَّته، إنك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآل والصَّحبِ الكِرام، وعنَّا معهُم بعفوِك وكرمِك ومنِّك يا أرحمَ الراحِمِين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداءَ الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المُسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسه، واجعل تدبيرَه تدميره يا سميع الدعاء.
اللهم احفظ الإسلام وأهلَه في كل مكان، اللهم احفظ الإسلام وأهلَه في كل مكان، اللهم احفظ دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم احفظهم في مصر، والعراق، وليبيا، وسوريا والشام، وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم وحِّد صفوفَهم، واجمع كلمتَهم، ولُمَّ شملَهم، وسدِّدهم في أقوالهم وأعمالهم يا رب العالمين، اللهم وفِّقهم يا أرحم الراحمين.
اللهم انصُر المسلمين في الشام، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا رب العالمين، اللهم إن طاغية الشام قد بلغَ في الظلم مداه، وفي الجُرم وشناعَته مُنتهاه، اللهم شتِّت شملَه وأعوانَه يا رب العالمين، اللهم شتِّت شملَه وأعوانَه يا رب العالمين، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، واجعل دائرةَ السَّوء عليهم يا رب العالمين، إلهَ الحق.
اللهم مُنزِل الكتاب، ومُجرِي السحاب، هازِم الأحزاب، اهزِم عدوَّك وعدوَّ المسلمين في الشام يا رب العالمين، اللهم خُذه أخذ عزيزٍ مُقتدر عاجلاً غير آجلٍ يا أرحم الراحمين.
اللهم إن المُسلمين في الشام اللهم إنهم جِياعٌ فأطعِمهم، وحُفاةٌ فاحمِلهم، وعُراةٌ فاكسُهم، ومظلومون فانتصِر لهم، ومظلومون فانتصِر لهم، ومظلومون فانتصِر لهم، اللهم انصُرهم يا أرحم الراحمين عاجلاً غيرَ آجل، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا وظهيرًا يا قوي يا عزيز يا متين.
اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم أعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرنا ولا تنصُر علينا، وامكُر لنا ولا تمكُر علينا، واهدِنا ويسِّر الهُدى لنا، وانصُرنا على من بغَى علينا.
اللهم اجعَلنا لك ذاكِرين، لك شاكِرين، لك مُخبِتين، لك أوَّاهِين مُنيبين.
اللهم تقبَّل توبتَنا، واغسِل حوبَتَنا، وثبِّت حُجَّتَنا، وسدِّد ألسِنَتنا، واسلُل سخيمَةَ قُلوبِنا.
اللهم وفِّق إمامنا لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك، وتحكيم شرعِك يا رب العالمين.
اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وفُكَّ أسرانا يا رب العالمين.

﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.

دار



اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اللهم اجعلنا من المعتصمين بكتابك وسنة نبيك
ولا تجعلنا من المتفرقين المتنازعين

دار

دار

أختي الحبيبه
جعلنا الله وإياكم من أهل الكتاب والسنه
المتمسكين بهما العاملين بمقتضاهما
شكر الله لكِ
سعدنا بكِ وبحضوركِ الدائم والمميز

دار

دار
جزاك المولى خير الجزاء
يعطيك العافية وبارك الله فيك
ع اختيارك للموضوع الرائع والمهم ..جعله الله في ميزان حسناتك
دآئمآً مميزه بآختياراتك .. تسلم دياتك يالغاليه
دمتي بحفظهـ

دار

شكرًا لك أختي الكريمة
على الموضوع المميز
أسأل الله العلي القدير أن يهدينا إلى صراطه المستقيم
بارك الله فيكِ
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصَحْبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه