بيوتنا نعيم أم جحيم الشيخ على بن عمر بادحدح 2024.

بيوتنا نعيم أم جحيم .. الشيخ على بن عمر بادحدح
بيوتنا نعيم أم جحيم .. الشيخ على بن عمر بادحدح

دار



بيوتنا نعيم أم جحيم .. الشيخ على بن عمر بادحدح

أما بعد: معاشر الأخوة: حديثٌ يتكرر فيه القول عن دم يسفك وأرواحٌ تزهق وطفولة تعذب وأجواء من التوتر الدائم والقلق المستمر والخوف الذي يقض المضاجع غير أن هذا الذي نتحدث عنه ليس في فلسطين الحزينة ولا في غزة المحاصرة ولا في العراق المضيع إنه في مكان أقرب إلينا وأبعد عن تصوراتنا وحريٌ بنا أن نفتح أبصارنا وأن تحدق عيوننا وقبل ذلك أن تستيقظ قلوبنا وعقولنا.
هذه الأحوال تجري في بعض بيوتنا ولست مبالغٌ فإنكم قرأتم وتقرؤون بعض ما هو منشورٌ في صحافتنا عن ابن يقتل أباه أو خالٍ ينحر ابن أخته أو ولدٍ يتعرض للتعذيب من أبيه أو امرأةٍ كثيرةٍ يعتدي عليها زوجها!.


لا أظنكم تخالفون وتجادلون في أن الأمر ظهر على السطح وطغى على الواقع مما يدل على أن الأمر تفاقم وزاد عن حده الذي يمكن أن يكون مقدورً عليه أو منشوراً في النظر إليه أو يسيراً في معالجته.


ولست أيضاً أن أكون من المسرفين فأقول أن بيوتنا قد خربت، وإن أبنائنا قد فسدوا وغير ذلك.. فإننا لا ندعو على أنفسنا بشيء من هلاك ولا نثبط أنفسنا بالتأليف من خيرٍ كثيرٍ في قلوبنا ونفوسنا وأبنائنا وبناتنا وأسرنا وبيوتنا لكن التحذير من الخطر واجب والانتباه إلى الخلل لازم والإصلاح إلى الإعوجاج أمرٌ محتمٌ لابد منه!.


ولعل إعراضي عن ذكر أرقام وإحصاءات أو ذكر حوادث بعينها وجدته أفضل لحديثنا هذا ونحن نلحظ ونعرف تلك الصور من خصام بين الأزواج وقسوة وإهمالٍ من الآباء وتمرد وعقوق من الأبناء طلاق وانفصام بين الأزواج ضياع وإجرام بين الأبناء إثر التفكك الأسري صورٌ كثيرة معانٍ محزنة مؤلمة ما منا من أحد إلا وهو يعرف بعض هذه الحالات مباشرة لأن العلاقات الاجتماعية والواقع المحيط بنا قد كثر فيه ما يجعل هذا ملحوظً ملموسا.


ولعل أجد أن الأنسب لحديثنا هذا هو أن نتحدث عن بيوتنا هل هي نعيم أم جحيم ما الذي فيها للنظر إلى الصورة المثلى والنعيم الحقيقي في صورة هذه البيوت في إسلامنا في آيات قرآننا في الهدي الأمثل والقدوة الأعظم في سيرة وهدي نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – نحن نعظم القرآن غير أن عندنا قصوراً في أتباعه عندما يكون الواجب علينا والحق لغيرنا نحن نزعم كذلك محبة النبي – صلى الله عليه وسلم – غير أننا لا نرتفع إلى سمو الإتباع به وهو يقول: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) (1) – صلى الله عليه وسلم -.
عندما نتحدث عن بناء أسرة في أول خطوة من خطواتها هنا إذا قررنا الصواب وجدنا بدايات الخطأ وإذا عرفنا الحق أدركنا أين يكمن الواقع من البداية والتأسيس هذه الأسرة تأسس على أساس إيماني على بعد ديني على مراقبة لله – عز وجل – على تقوى في كل حركة وسكنة بل في كل عملٍ نجد فيه ذكراً ودعاءً وسلوكاً مأثوراً عن رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم -.


أساس إيمانيٌ يقول فيه النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((استوصوا بالنساء فإنكم استحللتم فروجهن)) بكلمة الله وأخذتموهن بأمان الله إنه عقدٌ وميثاقٌ غليظٌ على شرع الله وبمحكم كتاب الله وبموافقة هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكيف يكون الأمر بعد ذلك على خلاف الكتاب والسنة، وهذا القرآن العظيم يحدثنا: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21]
ولم يطلق وصف الغلظة بالإنفاق إلا في موضعين اثنين أو في عقدين اثنين عقد الزواج هنا وعقد النبوة التي اصطفى بها الله – سبحانه وتعالى – صفوة خلقه وحملهم أمانة رسالته وكتبه ولذلك هذا المنطلق الأول إذا غاب فقد أغاب أساسٌ متين وركن ركينٌ للحفاظ على هذه الأسرة وقيامها على الأساس الصحيح وننظر كذلك فنجد الأساس النفسي الروحي الذي يقيم هذه العلاقة على أعظم وأرق وأفضل المشاعر: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21].
إذا تأملنا هذا المعنى السكن، السكن من السكون من الراحة راحة من بعد تعب ظلٌ من بعد هاجرة وسكونٌ من بعد حركة كل ذلك نعرفه في هذه الكلمة: (لتسكنوا إليها) قد يسكن الإنسان في فندقٌ من خمسة نجوم قد يجد فيه أثاثاً فاخراً وخدمة راقية لكنه لن يعيش فيه عمره كله ولا يقبل أن يبقى فيه أبد دهره لأن السكن ليس بالراحة المادية وإنما بالراحة المعنوية..
ابتسامة زوجة تزيل عناء معاناة العمل.. كلمة حلوة لقمة هنية هدوء وإشعاع بالمحبة والمودة يجعل تلك البيوت جنان في الأرض.. واحات خضراء بجنان غناء في وسط هذه الحياة المادية التي تطحن الناس اليوم وتثير في نفوسهم من مشاعر الشحناء والبغضاء والحقد والحسد والصراع والخصام ما يكاد يطمس في نفوسهم المشاعر والعواطف النبيلة.


أساسٌ يقوم على المودة والرحمة فيض من هذه المشاعر نراه عندما نتحدث عن القدوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وننظر فإذا ذلك يجعلنا نحسن الانتباه إلى هذه المعاني فليس شيءٌ غير هذه المودة والرحمة يديم الألفة ويحسن العشرة ويبقي الأمد طويلاً إلا أن تكون هذه الأسرة حصناً حصيناً يستطيع مواجهة كل الخطب والأخطار بإذن الله – سبحانه وتعالى – وأساسُ فطري في إشباع الرغبة وإرواء الشهوة لأن الإسلام دينٌ الواقع دين تلبية الحاجات الفطرية بصورة وحكمة كاملة إلهية وفق شريعة ربانية ولذلك يقول الحق – جل وعلا -: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة: 223]
ويصور القرآن قرب العلاقة والصلة تصويراً بليغاً رائعاً بديعاً فيقول الحق – جل وعلا – في وصف العلاقة بين الأزواج: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) [البقرة: 187]

واللباس هو الذي يستر العورات فنحن سترٌ لعوراتهن وهن ستر لعوراتنا واللباس هو الزينة فنحن زينة لهن وهن زينة لنا واللباس يقيك برد الشتاء ويمنعك من عوا د ما قد يضر وذلك كله أمره ظاهر ثم اللباس هو أدنى شيء إليك وألصق شيء بجسدك وهو الذي تختاره بنفسك وتلبسه بنفسك وتنزعه بنفسك فهو اقرب شيء تتعامل معه فهل بعد ذلك يكون الأمر على ما قد نسمع ونرى من شقاق وخصام والأمر في ذلك يطول ومن هنا نقول منتقلاً إلى نقطة أخرى لنرى أيضاً أساساً عظيماً لهذه الذرية في الأبناء والبنات ما هي نظرتنا إليهم ما هو تعاملنا معهم وحديثنا هذا إنما مفتتحاً يطول بعده الحديث ويستمر.



الله – سبحانه وتعالى – بين لنا أن هذه الذرية من زينة الحياة الدنيا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46] وأنها نعمة من الله – سبحانه وتعالى -: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[الإسراء: 6] وأنها دعوة يتمناها المؤمنون: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74] فكيف نشوه الذلة بما قد يقع من بطش وظلم وإجرام واعتداء على الأبناء وكيف نجحد النعمة بإهمال التربية والغياب عن أداء الواجب وكيف نغفل عن الدعوة والكثيرون يقعون فيما نهى عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – بنص صريح لا تدعو على أولادكم وكم أسمع من دعواتٍ من الآباء والأمهات على أبنائهم وبناتهم.


لذا أيها الأخوة نحن نهد ونقرع ناقوس الخطر حتى ننتبه وأنطلق إلى الأوصاف التي ينبغي تكون عليها بيوتنا كما أرادها ربنا وكما جسدها لنا في واقع الحياة رسولنا – صلى الله عليه وسلم – بيوت وئام لا خصام اليوم نسمع من الإشارات الفكرية والأطروحات الإعلامية ما يجعل البيوت ساحات معارك خذي حقك منه ولا تجعليه يتسلق عليك إياكِ أن يضحك عليك وأن يمنعك من العمل ويمنعك من كذا وكذا ويقولون للرجل أثبت رجولتك لا تجعلها تفتح فمها بكلمة وإذا نحن كأننا في حلبة ملاكمة أو مصارعة والتوتر دائم وتسمع في هذه البيوت كل يوم صراخ يعلو وصراعات وسباب وشتائم كأننا لم نعد نرى ولا نذكر ولا نتخيل معنى للوئام والمودة والرحمة توتر النفوس وضاقت الصدور وكبرت العقول وكثر سيطرة المادة والأعراف الخاطئة التي لا تتفق مع شريعة الله – عز وجل – وهدي رسوله – صلى الله عليه وسلم -.
يمكن أن نرى صوراً كثيراً عندما يخبرنا الحق – سبحانه وتعالى -: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا)[النحل: 72] من أنفسكم هذه الزوجة من نفسك جزء منك وأنت جزء منها لباس ولباس وإفضاء صورةٌ من القرب الذي إذا لم ينتج مع كل هذه النصوص ومع كل هذه الألفة والخلطة محبة ومودة فكيف يمكن حينئذ أن تفيض محبة على الأبعدين وأنت كارهٌ ومخاصمٌ للأقربين كيف يمكن أن تحسن التعامل مع الآخرين وأنت لا تحسن التعامل مع من أوجب الله عليك أن تحسن إليهم: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19]، وينبهنا النبي – صلى الله عليه وسلم – فيقول: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة أي لا يبغض مؤمن مؤمنة إذا ساءه منها خلقٌ رضي منها آخر)).

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني – المصدر: غاية المرام – الصفحة أو الرقم: 247
خلاصة حكم المحدث: صحيح



لماذا لا نرى إلا الصورة السودان لماذا لا نركز إلا على الأخطاء الصغيرة أو على بعض الخصال والطبائع الآدمية لماذا لا نرى كثيراً من الخير من أزواجنا ولماذا لا يرون كثيراً من الخير من أزواجهن لماذا لم يركزوا على الخير والجوانب المضيئة المشرقة حتى نقرب بين القلوب ونؤلف بين النفوس ونجري مياه المودة والمحبة فيما بيننا.. لماذا إذا دخلت لا تبتسم وتبسمك في وجه أخيك صدقة فكيف بتبسمك في وجه زوجتك وأبناءك؟!

لماذا لا تبدأ كما شرع النبي – صلى الله عليه وسلم – بالسلام على أهل البيت وتفقد أحوالهم: (كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في بيته كما وصفت عائشة يكون في مؤنة أهله يخطف نعله ويرفق ثوبه ويكون في مؤنة أهله فإذا دعا بلالٌ إلى الصلاة قام كأنه لا يعرفنا) فهل فينا من يخطف نعله ويرفق ثوبه ويدخل مطبخه ويعين زوجته وهل يستعلي أحدٌ أو يستنكف أحدٌ عن فعلٍ فعله سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم -.


هذه أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – تخبر أن النبي إذا شربت وانتهت من شرابها أخذ هذا الكوب أو الإناء فجاء يتلمس الموضع الذي شربت منه فيشرب منه – صلى الله عليه وسلم – لماذا؟


لفتاتُ حبٍ راقية، رسائل مودة يعرف النبي – صلى الله عليه وسلم – أنها تؤثر في قلوب النساء يشرب من حيث شربت لو قلت لأحدنا أفعل ذلك لقال وهل تراني صبياً غريراً أو تراني شاباً حبيباً نقول إن النبي كان يفعل ذلك لشدي تلك القلوب ويربطها بمحبته ليدخل السرور على أزواجه ليقول إني أحبكِ حباً يجعل أشرب حيث تشربين وأضع فمي حيث تضعين حتى قالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -: (عندما لفت نظرها النبي – صلى الله عليه وسلم – في سلوكِ يدل على سموٍ خُلق راق وعلى حسن إدارةٍ لأمور الحياة الزوجية عجيب قال لها: يا عائشة إني لأعلم متى تكونين عني راضية ومتى تكونين غضبى) إذاً هو يرسل رسالة أنا منتبهٌ لك أنا يهمني أن أعرف متى تكونين راضيةً أو غاضبة أنا منتبه لمشاعرك ومرهف لأحاسيسك، قالت: كيف يا رسول الله – هل ترونه استنبط ذلك عندما صاحت عائشة أو رفعت صوتها عليه كلا أو تفعل أو فعلت شيئاً مما يفعله الناس اليوم بأن تسيء إلى زوجها أو تتعدى عليه بالقول لا ليس شيءٌ من ذلك قالت وكيف يا رسول الله؟

قال: إذا كنت راضية قلت لا ورب محمد وإن كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم.
قالت: صدقت يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله لا أهجر إلا اسمك) (2).


لكن انظروا إلى الدقة التي استشفى بها النبي ذلك واليوم قد يدخل الرجل فيجد زوجته مكدرة الخاطر وعلى وجهها شيء من هم وهي صامتة لا تتكلم ومع ذلك كأنه يرى جداراً أصم لا يلتفت ولا يسأل ولا يقول خيراً إن شاء الله ولا يسأل ولا يدعو ولا يستفسر ولا يظهر له أثر بل أحياناً تقول إنني غاضبة فيقول ابحثي عن أي جداراً لتخبطي فيه رأسك.


كثيرة هي الصور التي يفارق فيها الهدي النبوي داخل بيوتنا فتصبح بيوتنا بيوت خصام والنبي يقول: ((استوصوا بالنساء والألف والسين والتاء يطرد أي بالغوا بالوصية بالهمة واحرصوا على الوصية بهن فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لن يزل أعوج)) قال النبي – صلى الله عليه وسلم – والحديث في الصحيح عند البخاري وغيره.


ثم فضيحة نفسية لابد من مراعاتها ومداراتها ليدوم الوئام ويستمر الحب والمودة وإلا فإن الصديق على كل أمر والتنقير على كل خطئ والتتبع لكل كلمة والتشفي من كل زلة أو خطأ لا ينفذ ولا يثمر إلا مزيد من البعد والشقاق نسأل الله – عز وجل – السلام.
بيوتنا مستورة لا مفضوحة بيت الأسرة المسلمة بيت أمان يأمن فيه الزوج؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أوصى الزوجة، فقال: ((ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم ولا يأذن لمن لا ترضون)) والنبي – صلى الله عليه وسلم -: ((والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيه))(3).
وأمانٌ للزوجة فالزوج مطالبٌ كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها))(4) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -.


بيوت يتدارى فيها الخطأ فيما بين الزوجين ويحسنون الستر والعفو والسماحة وليس كل ما سمح أمراً نشرته وكالات الأنباء في الأسرتين بل وفي دائرة الجيران بل وفي المجتمع بل أحياناً وكما نرى على صفحات الصحف وعبر الإذاعات والقنوات وقد رأينا ذلك بأم أعيننا أين الستر لا يكون إلا بواقع المحبة التي أسلفناها والوئام الذي ذكرناه ألسنا نعرف فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع أزواجه لكن الله – جل وعلا – ذكره لنا ليكون عبره لكنه – عليه الصلاة والسلام – داراه وستره يوم قالت الزوجة والثانية مجتمعتين إنا نجد منك ريح مغاسيل لأنهن أردن أن يشرن إلى ذهابه لزينب وأخذه شيء من المغاسيل فقال لنفسه أنه امتنع عن ذلك وحرمه وسكت حتى تنزل القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) [التحريم: 1]، وهكذا كان الأمر وما ينقل من بيوت النبي إلا ما هو للتشريع وننظر إلى ذلك فنراه على نحو عظيم مهم نحتاج إليه.


وأخيراً بيوتنا بيوت احترام لا إجرام وهذه مسألة مهمة أختم بها: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34] والقوامة تكليف والقوامة واجبات والقوامة حماية ووقاية والقوامة مسئولية ونفقة وليس القوامة ضرباً ولا تسلطاً ولا قهراً ولا تجبراً وكثيرون ممن يظنون ذلك نجد سلوكهم وقد أصبح سلوكاً عدوانياً قبيحاً ويستشهدون بقول الله – جل وعلا -: (وَاضْرِبُوهُنَّ) وينسون أن الآية قالت قبل ذلك: (فَعِظُوهُنَّ) ثم بعد ذلك: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) ثم: (وَاضْرِبُوهُنَّ) [النساء: 34].
والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((اجتنب الوجه ولا تقبح)) وعندما سمع عن من ضرب من النساء من الصحابة، قال: ((ليسوا أولئك بخياركم)).
وذكر الرازي في التفسير: أن الضرب بالسواك ونحوه بل قال بالمنديل ونحوه وهل بالمنديل ضربٌ إنه إشارة إنه مجرد لفت نظر وليس معركة لكي يكون هناك ضربٌ بالوسائل اليدوية وغير اليدوية.
نسأل الله – عز وجل – أن يعيننا على أن تكون بيوتنا بيوت مودة ورحمة وألفة ومحبة وتعاون وتكامل إنه جل علا ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الثانية
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه وإن الأسرة المسلمة والبيت المسلم هما النواة الصلبة للمجتمع الصحيح إن مشكلات الشباب وإن انحرافات الشابات وإن وجود الظواهر السلبية منشأه أن هذه اللجنة وتلك القاعدة لم تؤسس أساساً صحيحاً أو نالها التصدع والتشقق ونحن لا نجد شيئاً يرغب الصدع ولا يرمم هذا التشقق إلا أن نعود إلى الآيات وأن ننظر إلى الأحاديث وأن نشعر بأننا مطالبون بإتباع الكتاب والسنة ليس في العبادات فحسب وليس في الأحكام الشرعية العامة فحسب بل في سلوكياتنا التي تتناول كلمات ألسنتنا ونظرات عيوننا وابتسامات ثغورنا في كل شيء نعيشه مع أزواجنا ومع أبنائنا والحديث يطول جداً؛ فإن بيوت المسلمين ينبغي أن يكون على هدي كتاب الله وسنة رسول الله وحينئذ ستكون بيوتاً كما قلنا فيها المحبة والوئام وفيها التوافق والتعاضد ويكون لنا فيها يومئذ ذرية طيبة وشباب صالح وأمهات مربيات مشكلتنا تبدأ من البداية ولنا عود إلى هذا الحديث مراتٌ ومرات لعلنا نضيء بعض جوانبه التي نحتاج إليه ونذكر بعض مخاطره وأخطاءه وخلله الذي نحن في أمس الحاجة إلى معالجته والأمر في هذا يطول ولابد لنا من أن نتذكر دائماً وأبداً أن المسلم متعبدٌ لله – عز وجل – ملتزم شرعه في كل مكان في مسجده وفي معبده وفي معهده ومن باب أولى في بيته ومع أهله: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))(5)، كما قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم – نسأ الله – عز وجل – أن يصلح أزواجنا وأن يصلح أبنائنا وأن يصلح بناتنا وأن يصلح أسرنا وأن يصلح مجتمعنا وأن يردنا جميعاً إلى دينه رداً جميلا.
_________
الهوامش:
(1) سنن الترمذي (ج5/ص709).
(2) صحيح البخاري (ج5/ص2004)
(3) صحيح البخاري (ج1/ص304).1).
(4) صحيح مسلم (ج2/ص1060).
(5) سنن الترمذي (ج5/ص709).

جزاكِ الله خير
احلى تقييم
أختي الغالية

بارك الله بكِ

اللهم إنك ناظر إليها ،

حاضر لديها ، قادر عليها ،

أحطت بها سمعًا وعلمًا وبصرًا

فارزقها أُنسًا بك وهيبةً منك ،

وقوِّ فيك يقينها

فإنها بك اعتصمت وعليك توكلت

فأصلح لها دينها وارزقها ما يكفيها ونَجِّها مما يؤذيها

وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

دار

جزاك الله خير الجزاء
اثابك ربي بما نقلتِ
سلمت يمنياك غاليتي

السنن في النعم والنقم للشيخ على بن عمر بادحدح 2024.

السنن في النعم والنقم للشيخ على بن عمر بادحدح
السنن في النعم والنقم للشيخ على بن عمر بادحدح


دار

السنن في النعم والنقم للشيخ على بن عمر بادحدح

أولاً : فيما يتصل بحياتنا اتصالاً مباشراً ؛ فنحن نتقلب في نعم الله عز وجل ، وعندما نغفل عن شكرها ، ولا نعرف حقّها ، نكون معرّضين لنقمة الله عز وجل .
ثانياً : أن إدراك هذه السنن ومعرفتها يعين كثيراً على فهم موقع هذه الحياة الدنيا ، وتفسير الأحداث التي تجري فيها وفق سنن الله عز وجل ، وبالميزان الإسلامي والمنطق الإيماني، لا كما يفعل الناس عندما يفسرون الأحداث والوقائع بالأمور المادية ، وبالأشياء المحسوسة التي ليست في حقيقة أمرها إلا سبباً يجعله الله عز وجل ستاراً لما وراءه من حكمته ومن سنته الجارية .


ثالثا : أن هذا الدرس عندما نفقهه يكون معيناً لنا لتلمس أسباب النجاة والبعد عن مواقع سخط الله سبحانه وتعالى ؛ إذا العبد في هذه الحياة مقصوده أمران لا ثالث لهما .. تتبع ما يحبه الله ويرضى به عن العبد ، وتجنّب ما يُسخط الله ، وما يوجب للعبد عقابه وعذابه في العاجلة والآجلة .. نسأل الله السلامة .


وأخيراً : في هذا الدرس نفقه عظمة هذه النعم ؛ إذ نرى كثرة ذكرها في كتاب الله عز وجل ، والتحذير من جحودها ، وبيان الأمثلة التي وقعت فيما سلف من الزمان لمن أنكر وجحد وكفر نعمة الله عز وجل ؛ إضافة إلى أننا نرى في الآيات القرآنية التذكير بالنعم التي قد نغفل عنها ولا نراها – لدوامها وكثرتها – من النعم العظيمة .


ومن هنا ينبغي لنا أن نعطي مثل هذه الموضوع حقّه من حيث العلم به ، وأهم من ذلك من حيث العمل المتعلق به .. وأول مانبدأ به :
أن الله سبحانه وتعالى في أمر النعم ساق لنا منها الكثير .

وأول وقفة لنا مع نعم الله عز وجل ؛ فإن المتأمل المتدبر يرى :
أولاً : أن نعم الله سبحانه وتعالى كثيرة، وأنها من كثرتها لا يستطيع العبد أن يحصيها أو يحصرها ؛ فضلا عن أن يستطيع أن يدركها ، ويدرك لطف الله عز وجل له فيها، وقد قال سبحانه وتعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } وقال جل وعلا : { وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الله لغفور رحيم } .
وهاتين الآيتين في أولاهن بيان كثرة النعم ، وفي آخرهما في كل واحدة منهما معنى مستقل ؛ ففي الأولى بيان أن كثرة النعم كثيراً ما يقابلها من الإنسان الظلم والكفران .. نسأل الله عز وجل السلامة .



ثانياً : أن كثرة النعم يقابلها من الله مغفرة ورحمة لمن غفل عن الشكر أو عجز عنه أو قصّر فيه، وكلا الأمرين فيهما بيان لنعمة الله سبحانه وتعالى .. وعندما نمضي مع الآيات القرآنية في النعم نرى فيما بعض التعداد لهذه النعم ، التي كما قلت بعضها لا ينظر إليه الناس على أنها نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن أعظم النعم وأهمها ما يتعلق بنعمة الإسلام والإيمان { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعّد في السماء } فنعمة الأمن والإيمان والإسلام أعظم النعم التي يحصل بها طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر ، ووحدة الفكر ، وهدوء البال ، وعدم تفرق النفس والقلب في أودية هذه الدنيا تضرب وتخبط خبط عشواء !
لا تقف على حكمة ، ولا تعرف راية ، ولا تخضع لإله واحد .. له حق العبودية والألوهية سبحانه وتعالى .



ومن النعم الجليلة العظيمة نعمة الأخوة الإيمانية ، التي تنبني على ذلك الإيمان والإسلام ، وهي التي منَّ الله سبحانه وتعالى بها على رسوله وعلى المؤمنين في قوله جل وعلا : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً } .
وإذا أردت أن تعرف مقدار النعمة ، فانظر إلى ما يقابلها من سلب هذه النعمة .. إذا أردت أن تعرف نعمة الإيمان ، فانظر إلى الكفرة وكيف تردّوا في هذه الحياة ، وحُرموا نعمة الطمأنينة والأمان والاستقرار وما يلحق بذلك من أمثال الإيمان .

وكذلك انظر عندما تسلب الأخوة من المجتمع كيف تشق البغضاء الصفوف ، وكيف يفرق الحقد بين الناس ، وكيف يصطرع الناس ويتقاتلون ويفني بعضهم بعضاً ، ويتربص بعضهم ببعض، فتنقلب الحياة إلى مرارة وإلى خوف وإلى تربص ، وتستحيل هذه النعمة إلى نقمة هي من أفتك وأشد النقم التي يقدّرها الله عز وجل بموجب حكمته وعدله سبحانه وتعالى .
ومن النعم ما ذكره الله سبحانه وتعالى أيضاً في الأمور التي تجري في حياة الإنسان ، ومنها خلق هذا الإنسان وما من الله عليه به من السمع والبصر والعقل، وكل تلك النعم لو أراد الإنسان أن يقدر واحدة منها ما استطاع .. وكما ورد في بعض الآثار ولو جعلت نعمة البصر في كفّة ، وكل عمل ابن آدم في كفّه لرجحت نعمة البصر بها وحدها ، ولقلّ ذلك العمل عن أن يكافئ شكرها، فكيف ببقية النعم ؟!


والله سبحانه وتعالى قد ساق بعض هذه النعم في آيات كثيرة جداً، ومن هذه الآيات الأمور الحياتية التي ينتفع بها الناس، كما قال سبحانه وتعالى : { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذ استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } .


هذه الدواب والمركوبات التي سخرها الله سبحانه وتعالى للإنسان لا يلتفت كثير من الناس إلى كونها نعمة ومنّة !
بل خلق الله عز وجل هذه الأرض وجعلها أيضاً نعمة حيث مهدها في سهولها وثبتها في أوتادها وجبالها ، ورزقها بمائها وأنهارها ، وأنعم على الإنسان فيها بثمارها وحيواناتها ..كل ذلك في أمر الخلق نعمة كبيرة من نعم الله سبحانه وتعالى، ومن النعم أيضاً نعمة الأمن ودفع الأذى ، وهذه نعمة كثيراً ما امتن الله بها على عباده المؤمنين ، كما قال الله جل وعلا : { واذكروا نعمة الله عليكم إذا جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } ، وكما قال سبحانه وتعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } ، وكما بين الله سبحانه وتعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } .


والله جل وعلا قد منّ وذكر منته على قريش وهي ما تزال على كفرها ، عندما قال سبحانه وتعالى : { أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء } ، وبيّن أن الناس من حولهم يتخطفون، فهذه النعمة لا شك أنها من أجل النعم ، وارتباطها دليل واضح وبين وصلتها بالاستقامة لا تخفى ؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد قال : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } فالأمن الداخلي في نفس الإنسان واستقراره ، والأمن الخارجي في أمن الناس على أموالهم وأرواحهم هو من أجلّ وأعظم هذه النعم ، ونعم الله كما أشرت كثيرة جداً .


ثالثاً : في شأن النعم أنها عندما يقع الكفر ، ويترك الشكر كثيراً ما تنقلب النعم إلى نقم، فالله سبحانه وتعالى قد قال : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } وهذا أمر بيّن ينبغي أن نعرفه ، والنعم في كلام الله عز وجل والآيات القرآنية فيها بيان ما يكون أحياناً من ذلك الكفران لهذه النعم التي ساقها الله سبحانه وتعالى .


إذن نعم الله سبحانه وتعالى كثيرة ونعمه في ما يتصل بالإنسان مباشرة كثيرة ، والنعم المعنوية أعظم وأكثر منّة ، وأكثر منة الله عز وجل فيها من النعم الحسية ، فنعمة الإيمان والأمن والأخوة هذه المعاني أعظم من نعمة الرزق والأكل والشرب والملك .. وإن كانت هي أيضاً نعم من الله امتن بها على عباده وذكّرهم بها .


عبادة الشكر
ثم نذكر أن حق النعم هو الشكر ، وعندما نقول الشكر فلا بد لنا من وقفة مع هذا الواجب واجب النعم هو الشكر ، والشكر هو الثناء على المنعم .

وجوانب الشكر ثلاثة ، متعلقة بالقلب واللسان والجوارح ، فكل منها يجب عليه شكر لنعم الله سبحانه وتعالى .
شكر القلب
الاعتراف والإقرار بالمنعم وفضله سبحانه وتعالى .. ذلكم يتجسد في الإيمان ومعرفة أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته والإقرار بأن هذه النعم منه سبحانه وتعالى ، كما قال جل شأنه : { وما بكم من نعمة فمن الله } .

شكر اللسان
وأما اللسان فشكره الثناء على الله سبحانه وتعالى ، ودوام الحمد واللهج بذكره، وهناك لطائف كثيرة ، وعبارات عديدة ، نُقلت عن سلف الأمة فيما يتعلق بحسن الثناء والشكر لله سبحانه وتعالى، فقد أثر عن بعض السلف أنه كان يقوم بالليل ، فيُثني على الله ، ويذكر نعمة الله عليه ويشكره عليها فيقول : " أنا الصغير الذي كبّرته ، أنا الضعيف الذي قوّيته ، أنا الفقير الذي أغنيته ، أنا العزب الذي زوجته .. " فما يزال يذكر نعم الله عليه ويتذكرها فيكون ذلك لهجاً بالثناء .

وأنت ترى أن الإنسان في الحياة الدنيا بطبعه وفطرته دون أن يخالطه رياء يحب إذا أسدى إلى الناس معروفاً يحب أن يكون ذكره عندهم حسناً، وأن تكون لصنائعه عندهم تقديراً والله سبحانه وتعالى يحب حمده ، لكن فرق ما بين الله عز وجل وما بين الإنسان عظيم جداً .. فالشكر الذي تشكر الله به هو في حد ذاته نعمة يحتاج فيها إلى شكر ؛ فإن توفيق الله للعبد أن يشكره ويحمده .. وغيرك من أهل الكفر ومن أهل الغفلة يتنعمون كما تتنعم ، ولكن لا يشكرون كما تشكر فهذا حرمان لهم .
شكر الجوارح
مقصود الشكر بها أن تستقيم على طاعة الله عز وجل ، وأن تستخدم النعم فيما أراد الله سبحانه وتعالى وطلب .. فلا تنظر العين إلى محرم ، ولا تستمع الأذن إلى إثم ، ولا تبطش اليد بضعيف ظلماً، ولا يكون منك خاطر السوء ، و لا التفكير في العدوان .. كل ذلك هو واجب هذه الجوارح لتقوم بشكر الله سبحانه وتعالى على الوجه المطلوب .



والشكر أيضاً في حقيقة وجوده في الحياة عند الإنسان المسلم له خمس مراتب، ذكرها ابن القيم رحمة الله عليه .
مراتب الشكر
1- الخضوع للمنعم
والذلة لله عز وجل ، الذي لا نكاد نلتفت يمنة ويسرة ، ولا نتقدم خطوة ولا نتأخر أخرى ، ولا نكون في نوم ولا في يقظة ، ولا في حل ولا ترحال إلا ونحن مشمولون برحمته ، مغمورون في نعمته ، يفيض علينا من فضله وجوده سبحانه وتعالى .. فأول أمرٍ في هذه المراتب الشكر الخضوع لله والذلة له ، والانكسار بين يديه، والإنسان عبد الإحسان .. أفلا ترى الناس يكون الناس هينين لينين لمن أسدى إليهم المعروف وقدّم إليهم النعم، والله عز وجل نعمه أكثر وحقه على العباد أكبر فأول ذلك الخضوع .



2- حب المنعم
فليس الخضوع خضوع رهبة ، ولا خضوع سطوة ، وإنما خضوع محبة، خضوع الذلة لمن كان محسناً إليك ، ولطيفاً بك ، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة ، فتتولد عندك الحب مع ذلك الخضوع .



3- الاعتراف بأن النعم منه وحده
فلا شريك له جل وعلا في أي نعمة من النعم التي تحظى بها، والخلق إذا أسدوا إليك النعم ؛ فإنما ذلك بتقدير الله وتيسيره ونعمته، فهو الذي أعطى صاحب المال مالاً ليعطيك ، وهو الذي أعطى صاحب القوة قوة لينجدك، وهو الذي أعطى صاحب السلطان حكماً ليدفع عنك .. فليس للبشر شيء ولا حول ولا طول ، بل الحول والقوة لله ؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى .



4- أن يترجم هذا الخضوع وذلك الاعتراف بالثناء على المنعم سبحانه وتعالى
ثناء صادق بتمجيده ، وذكر أسمائه وصفاته ، واستحضار منته ونعمته في الشدة وكذلك في الرخاء .. تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .



5- الاستخدام لهذه النعم في شكر الله وطاعته .
ثم ننظر إلى أمر مهم وهو أن هذا الشكر قيد النعم، النعمة إذا جاءتك تريد أن تقيدها حتى تبقى معك، وحتى لا تذهب كما قال القائل في شأن العلم :
قـيـد صـيـــودك *** بالــحبــال الـواثـقـة
فمن الجهالة أن تصيد غزالة *** وتـفـكـها بين الخلائق طالقة

من صاد غزالة ؛ فإنه يربطها ويقيدها ؛ حتى تبقى عنده .. والشكر هو قيد النعم، وقد قال بعض السلف : " الشكر حافظ للموجود وجالب للمفقود " حافظ للموجود هو السياج، وليس السياج للحفاظ على النعم هم الحرس أو رجال الأمن أو أمن الشركات أو غير ذلك من أسباب التأمين .. كل تلك أسباب إذا لم يكن معها صدق التوكل وذلك الشكر ؛ فإنه يأتيها سبب من هنا أو من هناك وإذا بهذه النعمة تزول من بين يديك كأن لم تكن وكأنها كانت حلماً عابراً .


وكم رأى الناس في حياتهم عزيزاً ذلّ ، وغنياً افتقر ، وقوياً ضعف ..
ما بين غمضة عين وانتباهتها *** يبدّل الله من حال إلى حال

وسنذكر صوراً عجيبة ذكرها الله عز وجل للتدبر والتأمل ؛ لنربط بها مع واقعنا التي نعيش فيه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما ينبه على حفظ النعم بالشكر ، ومن ذلك الشكر الحفظ الدعاء ؛ فإنه قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ابن عمر : ( اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وفجاءة نقمتك ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك ) .


وانظر إلى هذا الدعاء العجيب من النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وفجاءة نقمتك ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك ) ؛ فإن الإنسان قد يتعرض لفعل يفعله ، أو بقول يقوله لسخط الله عز وجل من حيث يدري ومن حيث لا يدري .


وكانت وصية عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه انه كان يقول : " قيدوا النعم بشكر الله سبحانه وتعالى " ، ثم إذا عرفنا أن قيد النعم هو الشكر ؛ فإننا نلحظ أمراً يحتاج إلى إيضاح وبيان ، ويكثر فيه الاستفسار والسؤال .. ذلك أن كثيراً من الناس ينظرون إلى الشرق وإلى الغرب ، يرون أهل الكفر وأهل المعصية ، وقد أغدق الله عليهم النعم إغداقاً ، وأفاض عليهم بركات السماء ، وفجر لهم خيرات الأرض .. فكأنهم يقولون : " كيف بقيت هذه النعم لأولئك القوم وهم ليسوا بمؤمنين ولا شاكرين ؟! " .
والجواب من أمرين مهمين :
أولاً : أن ذلك من عظيم سخط الله عليهم ، وذلك هو الاستدراج الذي قال الله تعالى فيه : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } ، قال بعض السلف : " نسبغ عليهم النعم ونمنعهم الشكر " ، يسبغ عليهم النعم ولا يوفقهم للشكر .. فماذا يكون ؟!

يكون الأمر استحقاق للعقوبة القاسية القاصمة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إن الله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) فذلك إمهال حتى يزيدوا في كفرهم وغيهم ، ثم يستحقوا سخط الله عز وجل عليهم .. والله جل وعلا قد قال : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه اليم شديد }
ثانيا : أن هؤلاء وإن أوتوا النعم ؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد ابتلاهم بكثير من النقم ، وكما قلت ليست النعم والنقم متعلقة بالأمور المادية ! بل تعلقها بالأمور المعنوية أعظم وأكبر .. فأولئك القوم قد حرموا الأمن ، وحرموا الأمان ، وحرموا الأخوة والترابط ، واضطربت نفوسهم ، وذلّت نفوسهم ، وتحللت أخلاقهم ، وشاعت بينهم الأمراض ، وابتلوا بكثير من البلايا والرزايا، ولا يلتفت إليها كثير من الناس ، ويخدعون بذلك البريق ، وذلك الخير الذي يسوقه الله عز وجل لأولئك القوم .


أسباب كفر النعم
والمقصود بالكفر هنا هو الجحود، يغطون هذه النعم ، ولا يذكرون المنعم سبحانه وتعالى .. فهناك أسباب كثيرة تقع من المسلمين المؤمنين في أمر كفرانهم للنعم .

1- عدم الشعور بالنعم :
ولذلك أسباب كدوامها وشمولها وعمومها، فأنت على سبيل المثال لا تشكر الله عز وجل على نعمة البصر أو على نعمة السمع أو على نعمة الذوق أو على نعمة الإحساس ؛ لأن هذه نعمة موجودة دائمة عندك لم تقدّرها قدرها ، ولم تشعر بأنها نعمة كأنها أمر حتمي لازم، ولو تأملت أثر النعمة من حيث فقدها ، وتأملها عندما تنقص عندك بعض الشيء .. فتكون صحيحاً ويبتليك الله بمرض ثم تبرئ من تلك العلة أو غير ذلك من الأسباب .. يذكرك بهذه النعم ، بل انظر إلى ما ذكر الله عز وجل من نعم عظيمة لا نفطن إليها ، وقد ساقها الله سوقاً يبين أهميتها ونعمة الله على الناس فيها، هذا الليل وذلك النهار وذلك القمر هو نعمة من نعم الله .



وإذا أردت أن تدرك هذه النعمة انظر إلى هذه الأرض وما فيها من بعض المناطق في أقصى شمالها أو جنوبها، فإذا يومهم معظمه نهار لا يكون لهم من الليل إلا وقت يسير أو على العكس من ذلك ، ليل لا يكون له نهار، فكيف تنتظم شؤون الحياة عندما يضطرب هذا النظام في هذا الكون .. هذه الشمس التي تشع بها الدفء ، ويكون بها الكثير من الخير من إنبات النبات ، وتبخير الماء ، ونزول المطر وغير ذلك .. لو حُرِمَ الناس هذه النعمة لكان موضع تدبر وتأمل ، كما ذكر الله سبحانه وتعالى { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون } .
والنعم التي ذكرتها أيضاً قد قال الله عز وجل عنها في قوله : { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون } هذه نعم نغفل عنها لتكرارها .



ومن لطيف ما ذكر بعض أهل العلم تصور كيف يمكن للإنسان يشعر بالنعم، وكيف تكون النعم الدائمة ليست موضع إحساس عند كثير من الناس، قال : لو أننا تصورنا أن قوماً بنوا تحت الأرض ، وكانوا يعيشون فيها لا يخرجون إلى سطحها مطلقاً – كما يحصل الآن يبنون مناطق تحت الأرض أو للاحتماء من الغارات لو كانت هناك حالة حرب، وهذه القصة ساقها المؤلف في كتاب طويل سماه قصة الإيمان يذكر فيها بعض هذه المعاني – فإذا ولد الوليد في هذه المنطقة أو في هذا المكان فإنه لا يرى إلا عمداً تحمل تلك السقف ، ولا يرى إلا أنواراً وإضاءة أو مصابيح لتنير وتضيء .. وهذه أيضا معتمدة ومرتكزة على مصدر ، ولها ما يقومها .. لو أننا تصورنا العيش في هذا المكان دهراً طويلاً من الزمان ، ثم قيل له رحلة إلى سطح الأرض فأول ما يبهره ذلك السقف المرفوع بغير عمد ، وتلك الشمس التي تشع من غير مصدر، وغير ذلك من أسباب النعم والمخلوقات العظيمة التي يغفل الناس عنها لدوامها وتكرارها .


2- عدم النظر للمحرومين من النعم :
وهذا فيه حديث من النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح نبهنا إليه إلى هذا المعنى : انظروا إلى أسفل منكم – أي في أمور الدنيا – ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ، نجد الناس كثيراً ما يكفرون بالنعمة .. تجدهم في أمن وأمان وعافية ، وعندهم قوت يومهم وأسبوعه وشهره .. ومع ذلك يسخط على نعمة الله ويتبرم بالحال، وإذا سألته أنبأتك تجاعيد وجهه ، ونظرات عينيه عن سخطه وجحوده وتبرّمه، ولو نظر إلى غيره لوجد من لا يجد مكاناً يأوي إليه ولا لباس يستر عورته ، ولا لقمة تسد جوعته .. ممن يلتحف السماء ويفترش الأرض، فلا يجحدن أحد نعمة الله ، فإذا كان ينظر دائماً إلى من فوقه .. إن كان صاحب شقة نظر إلى أصحاب الفلل ، فقال : " إني محروم من النعمة ! " ، وإن كان صاحب فلة – كما نقول – نظر إلى أصحاب القصور فرأى أن الله عز وجل قد حرمه من نعمته، وهكذا لا يزال الإنسان ينظر .. وهذا يجعله يكفر النعمة ولا يشكرها ، ولو أنه نظر إلى نعمة عافية بدنه لكانت ترجح بكل ما في هذه الدنيا من الأموال .



3- الجهل بالله وأسماءه وصفاته :
وذلك لغفلة العباد عندما ينسون معاني الإيمان ، ولا تحيا في قلوبهم ؛ فإن الإنسان إذا عرف أن الله عز وجل هو المعطي ، وهو المانع ، وهو المنتقم الجبار سبحانه وتعالى ؛ فإنه يخشى حينئذ أن تنقلب النعمة نقمة ، وإذا غفل عن هذه المعاني لم يكن عنده دافع أن يشكر النعمة ، وأن يعبد الله سبحانه وتعالى ، وأن يؤدي حق الله عز وجل في هذه النعم، والله سبحانه وتعالى قال في قصة قارون { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً } ، هذا الذي يغفل هو الذي ينسى هذه النعم .



أسباب زوال النعم
أولا : المعاصي والذنوب
فكثيراً ما نرى في حياتنا أموراًً لا نفسرها بالتفسير الإيماني و القرآني الإسلامي الذي علمنا الله إياه في كتابه، وعلمنا إياه المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه وسنته .. الله سبحانه وتعالى يقول على سبيل المثال في بعض المعاصي والذنوب والكبائر : { يا أيها الذين اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } ثم ماذا يقول سبحانه وتعالى : { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } فإذا كان ذنب واحد وكبيرة من الكبائر مؤذنة بأن يكون المجتمع محارب لله عز وجل .. فكيف – عياذاً بالله – إذا كثرت الجرائم والفواحش والذنوب والمعاصي ؟
قال الله عز وجل : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } .



ثانيا : نسبة النعمة إلى غير الله سبحانه وتعالى
وهذا أمر يشيع بين الناس كثيراً ، فتجدهم يغفلون عن المنعم الحقيقي ، ويذكرون بالثناء والحمد – بل بنوع من العبادة والذلة – للمخلوقين الذين ليس لهم حول ولا طول، فأنت ترى من باع دينه لدنيا غيره وأنت ترى من بدل دينه وبدل مبادئه لأجل دنيا يأخذها من هذا أو من ذاك، وأنت ترى من نعم أولئك أو هؤلاء أو أولئك وقد ذل لهم وخضع ، وجعل لهم عرضه ، وجعل لهم دينه وخلقه نهباً لهم كما يشاءون ، وهذا كله ضريبة وحرمان ونقمة من الله لمن لم يكن بالشكر بالخضوع والاعتراف له سبحانه وتعالى، وقد قال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى : { وبنعمة الله يكفرون } قال : أي يسترونها يضيفونها إلى غير الله عز وجل، ونحن نعلم القصة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح – الثلاثة النفر الأعمى والأبرص والأجذم – وما كان منهم من حال ، وما بدّل الله لهم من نعمة وكيف جحد اثنان منهم النعمة ونسباها إلى غير الله سبحانه وتعالى .



ثالثاً : الكبر والغرور والتعالي على الخلق
وكذلك قارون عندما قال : { إنما أوتيته على علم عندي } الكبر والغرر والتعالي على الخلق لمن يعطيه الله عز وجل بسطة في الجسم أو ثراء في المال ؛ فإنه يتكبّر ويتعالى على الناس ، والكبر بطر الحق وغمط الناس، وقد ساق الله عز وجل مثلاً لنا في هذا في قوله عز وجل : { ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدده * يحسب أن ماله أخلده } اعتز بماله وقوته وجاهه وتكبر ، كما كان شأن فرعون عندما قال : { أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي } وبلغ به الكبر والعتو حتى قال : { ما علمت لكم من إله غيري } فهذا من أعظم أسباب حصول النقم ، ولذلك نهى الله عز وجل عن هذا ، وبيّن أن الأسباب والمظاهر التي تؤدي إلى الكبر أو تدل عليه منهي عنها ، كما قال سبحانه وتعالى : { ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } كل ذلك بيان من الله سبحانه وتعالى لهذه السمة التي يستحق بها العبد سخط الله جل وعلا في الدنيا ، وحرمانه من جنته في الآخرة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ) .

رابعاً : البطر والإسراف
وهذا نوع من عدم تقدير النعمة حق قدرها وعدم الشعور بأهميتها وقيمتها وفائدتها ونفعها، والله سبحانه وتعالى قد بين ذلك بياناً شافيا واضحاً في كتابه سبحانه وتعالى في قول الله جل وعلا : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً } وكذلك بين الله سبحانه وتعالى ذلك في القرية التي بطرت معيشتها ، وكانت مستحقة بعد ذلك لعذاب الله وسيأتي مزيد إيضاح في بعض هذه الصور .



خامسا : منع الحق الواجب في النعم
من مثل الزكاة وما افترض الله سبحانه وتعالى على الإنسان من الأعمال ، فزكاة البدن الطاعة والعبادة من صلاة وحج وجهاد وزكاة المال الزكاة المال والإخراج منه كما أمر الله سبحانه وتعالى، وكل شيء فيه فرض واجب من منعه فقد استحق أو أوجد سبباً من أسباب زوال النعم .

سادسا : معاداة أولياء الله سبحانه وتعالى
وإلحاق الأذى بالصالحين واستجلاب سخط الله عز وجل بدعاء أهل الخير على من ظلموا وطغوا وبغوا وتجبروا، وحسبنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمر واحد ونموذج واحد .. فكيف بما هو أكثر من ذلك وأعظم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة والجلال : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )

الراوي: أبو هريرةالمحدث:البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6502
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]



وليٌّ واحد فكيف إذا أوذي كل صاحب خير ، وكل صاحب سمت صالح وعمل خير ومبادرة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فذلك من أعظم أسباب زوال النعم ، وحصول نقم الله سبحانه وتعالى في هذه النعم وسلبها من أصحابها دون أن يشعروا بها .




فهذه جملة من أسباب زوال النعم ، ولذلك قال بعض السلف : " شعار المؤمن وأسباب سعادته الحمد والشكر والاستغفار " ، الحمد على المصائب ، والشكر على النعم ، والاستغفار من الذنوب .. فمن أدام الحمد في كل حال حتى مع وقوع البلاء والضنك وبعض ما قد يرى فيه مصيبة أو حرمان ؛ فإن حمده لله هو اللائق به والمناسب لإيمانه ويقينه بالله سبحانه وتعالى .


الشكر على النعم قد ذكرنا أمرها ثم الاستغفار من الذنب ، وهذا الشكر أمره عظيم ، وقد أوصى الله به في أعظم وصية يوصى بها الإنسان تجاه الله سبحانه وتعالى ، ثم تجاه أعظم أصحاب المنن عليه من البشر لقوله سبحانه وتعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } .


من مزايا الشكر

1- الشكر غاية :
والله سبحانه وتعالى قد جعل الشكر غاية للعباد ، وهذا من أعظم الأمور التي تبين أن الشكر عبادة مهمة ، وأن فهمه والإتيان به مهم غاية الأهمية في حياة الأمة، فالله سبحانه وتعالى بين أن هذا الشكر غاية في آيات كثيرة كما في قوله سبحانه وتعالى : { ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } وقال جل وعلا : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } بل الله سبحانه وتعالى قد جعل هذه الحياة بما فيها من زمن وما فيها من خيرات مجالاً للشكر : { تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سرجاً وقمراً منيراً * وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً } جعل هذا الزمان وهذه الفسحة من العمر لشكره سبحانه وتعالى ، والقيام بهذا العمل العظيم الذي قلنا إنه متصل بالجوارح كلها، قلباً ولساناً ويدا ورجلا ً ونظراً وسمعاً إلى آخر هذه الجوارح .



2- الشكر وقاية :
فالله سبحانه وتعالى قد بين أن الشاكرين يأتون بشكرهم أسباب وقايتهم وأمنهم .. فالله سبحانه وتعالى قال : { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } فالشاكرين معصومون بإذن الله قد أخذوا بأسباب الوقاية والحماية من الله سبحانه وتعالى .



3- الشكر شمول واستمرار :
ثم الشكر لا بد أن يكون في حياة الإنسان المسلم أمراًً دائماً فحسب .. عندما تقع به المصيبة فتزول أو تأتيه نعمة مستجدة ، بل لا بد أن يكون كذلك في كل شيء حتى فيما لا يفطن إليه الناس ، ولا ينتبهون إلى عظمته .. فالنبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم قال : ( إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ، ويشرب الشربة فيحمده عليها ) ، كم مرة تشرب الماء في اليوم ؟

كم أكلة تأكل في اليوم ؟
كل ذلك ينبغي مع كل أكلة وكل شربة أن تحمد الله فتنال رضى الله سبحانه وتعالى .


ومن لطيف سير السلف أن رجلاً امتنع عن أكل بعض الطعام الطيب من اللحم وغيره، فلما سأل الحسن عن ذلك قال له ذلك الرجل – وكان مريداً للخير – : إني أخشى أن لا أقوم بشكره " ، إذا أكل من النعم الوفيرة يخشى أن لا يقوم بشكره ، فقال له الحسن بفقه الإيمان : " ويحك وهل تقدر على شكر نعمة الماء البارد " ، كأنه رأى أن هذه النعم تحتاج إلى شكر كبير فكيف بذلك الماء البارد .


وابن عمر رضي الله عنه شرب مرة ماء ثم جعل يبكي، قيل : ما يبكيك ؟
قال : ذكرت يوم القيامة إذا اشتهيت الماء البارد ، وذكرت قول الله عز وجل : { وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم } فالأمر بالنسبة للمسلم أنه حساس في تقدير نعم الله عز وجل ، ومداوم على هذا الشكر لا يغفل عنه ولا يفتر .. بل هو مقيم عليه ومستمر فيه وحريص أشد الحرص على ألا يفوته شكر نعمة صغيرة ولا كبيرة، ولذلك جاءت الأدعية الجامعة المانعة من النبي صلى الله عليه وسلم لتعيننا على أن نحسن شكر الله سبحانه وتعالى ، وأن نقوم بالوصية التي أوصى بها معاذا للاستعانة على الشكر لما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) . الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 1522
خلاصة حكم المحدث: صحيح



هذا يحتاج إلى إعانة من الله سبحانه وتعالى و يجمع ذلك الدعاء العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم من أدعية الصباح والمساء : ( اللهم ما أصبح بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر ) ، انظر إلى هذا الجمع ما أصبح بنا من نعمة أي صغيرة وكبيرة في الآجل ، أو العاجل في المستقبل ، أو في وقت السراء ، أو في وقت الضراء كل نعمة ، وإن كانت ليست لنا، ما أصبح لنا من نعمة أو بأحد من خلقك من كافر أو مؤمن في شرق الأرض أو غربها .. فكل ذلك منك وحدك سبحانك يا ربنا فلك الحمد ولك الشكر . .
فهذا كلام جامع تستقبل به نهارك منذ انشقاق الفجر واستيقاظك من النوم، وتستقبل به مساءك عند غروب الشمس وعند الدخول في الليل ، فلا تزال لهجاً بذكر الله حامداً له شاكراً لأنعمه، ومن عظيم منزلة الشكر أن الله سبحانه وتعالى أمر به مقترناًً بعبادة من أعظم العبادات ، كما قال سبحانه وتعالى : { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } وجعل ذلك صفة لأعظم أو لبعض الأنبياء من أولي العزم من الرسل ، فوصف بالشكر لإثنين من الأنبياء فقط إبراهيم الخليل لما قال الله سبحانه وتعالى في وصفه : { شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم } ، وقال جل شأنه : { ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداًَ شكوراً } .
ذلك أن الشكر من أعظم المقامات ، فليس هو أمر عارض كما يعطيك إنسان شيء ما، فتقول له : " جزاك الله خيرا " ، هذا ليس أمراً سهلاً أو هيناً !
بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أسدى إليكم فرأيتم أنكم لا تستطيعون أن تكافؤه بها، فقل له جزاك الله خيراً فقد أعظمت له الجزاء )

الراوي: أسامة بن زيد المحدث: المنذري – المصدر: الترغيب والترهيب – الصفحة أو الرقم: 2/102
خلاصة حكم المحدث: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]





لأنك أحلت إلى الله سبحانه وتعالى وحولت الشكر الذي عجزت عنه إلى الله سبحانه وتعالى، واعلم أن عظمة الشكر تتجلى في أن غاية الشيطان هو أن يخرج الناس من الشكر إلى الكفر ، كما قال سبحانه وتعالى في وصف ذلك على وصف ولسان إبليس : { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } فأمر هذا الشكر لهذه النعم عظيم جداً .


وإذا تأملت فإنك تجد من المقالات ما ينبئك عن فقه السلف رضوان الله عليهم، بل هو ذلك الميراث من ميراث النبوة ، كما روى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وكسرة خبز ملقاة ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فنفضها وأكلها ، وقال : ( يا عائشة أحسني جوار نعم ربك لئلا تذهب عنك ) .

الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني – المصدر: إرواء الغليل – الصفحة أو الرقم: 7/21
خلاصة حكم المحدث:
إسناده رجاله ثقات غير العباس بن منصور الفرنداباذي مجهول الحال

كسرة الخبز الصغيرة التي في واقعنا – نسأل الله السلامة – لا نأبه لها !
بل لا نأبه أن نهينها أو نمتهنها !



ورث الصحابة والسلف هذا الهدي النبوي ، وتبين لهم كيف ينبغي أن يكون الشكر لنعم الله ، فتواصوا بتلك الوصايا الكثيرة ، ولهجوا بالحمد بالنعم العظيمة ، كما أثر عن الحسن : " اللهم لك الحمد بالإسلام ، ولك الحمد بالقرآن ، ولك الحمد بالأهل والمال ، بسطت رزقنا ، وأظهرت أمننا ، وأحسنت معافاتنا .. فلك الحمد حمداً كثيراً كما تنعم كثيراً ، أعطيت خيراً كثيراً ، ووقيت شراً كثيراً بوجهك الجليل الباقي الحمد " بهذه الكلمات الجامعة إنما هي من فقه السلف لنعم الله ولهجهم بالثناء على الله سبحانه وتعالى .
وقد أوصى الأوزاعي صحبه في وصية طويلة كان منها : " أيها الناس : انتبهوا لهذه النعم التي أصبحتم فيها تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على قدرة من الهرب من نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دار الأمر فيها قليل وأنتم فيها مرجون خلائف من بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا زهرتها ، فهم كانوا أطول منكم أعمارا ، وأعظم أجساماً ، وأكثر آثاراً ، فقطعوا الجبال ، وجابوا الصحف ، ونقبوا في البلاد مؤيدين ببطش شديد وأجسام كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مددهم ، وعفت آثارهم ، وأخذت منازلهم ، وأنست ذكرهم .. فما تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزاً، كانوا يلهون آمنين لبيات قوم غافلين ، أو لصباح قوم نادمين ، ثم إنكم قد علمتم نزل بساحتهم بياتاً من عقوبة الله .. فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين " .


هذا الأمر الذي ينبغي أن نتنبه له .
أمثلة قرآنية لكفران النعمة وعاقبته :
{ ليصرمنها مصبحين }
هناك صور وقصص قرآنية صورت لنا تصويراً عملياً كيف يكون كفران النعم منزل بالنقم .. فمن ذلك على سبيل المثال قصة أصحاب القرية في سورة أصحاب الجنة في سورة القلم، مجرد أنهم قالوا مجرد أنهم كانت عندهم نية كما قال الله عز وجل : { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون } ، قالوا غدا نجني الثمار في أول النهار ، وفي وقت الغلس حتى نأخذها ولا نعطيها من الفقراء أحداً ، فكان بعد ذلك { فطاف عليها طائف من ربك وهو نائمون * فأصحبت كالصريم } وهذا الأمر نعمة من الله عز وجل لأولئك ؛ فإنهم كانوا أبناء رجل صالح .. فأراد الله أن يعاقبهم ليتذكروا ويرجعوا، ولذلك كان منهم التلاوم وعرفوا ظلمهم لأنفسهم وتعديهم على شكر نعمة الله سبحانه وتعالى .



ولكن انظر كيف كان ذلك من أثر النية والهمّ السيئ قبل الفعل .. ومع ذلك كان به حرمان النعمة وزوالها .
{ رزقها رغداً }
وهناك أيضاً المثل الذي ضربه الله عز وجل ، وهو مثل عظيم يتحقق في واقع الأمة كثيراً كما قال الله عز وجل : { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } ، وانظر إلى العقوبة وتصوير القرآن لباس الجوع والخوف اللباس هو أقرب شيء إليك ، وألصق شيء بك ، وأكثر شيء لا يفارقك، فكأن الله عز وجل قد ضرب عليهم هذا الجوع وهذا الخوف هذا كان في سائر مناحي حياتهم وأوجه نشاطهم في هذه الحياة ، ولذلك قال : لباس الجوع والخوف الجوع والخوف أعظم النقم ؛ لأنه ما قيمة أن تكون عندك أموال وأنت خائف على أموالك ليس عندك أمن !

وما قيمة الأمن وأنت جائع لا تجد ما تسد به جوعك !
تبيت ليلك وأنت تتضور من الجوع، فهاتان النعمتان من أعظم النعم ، ولذلك كان دعاء إبراهيم الخليل عليه السلام ماذا قال لما قال : { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } .
ولذلك أيضاً في دعاءه للبيت أن يكون هناك الأمن والرزق الذي يفرغ العبد لعبادة الله سبحانه وتعالى، وهذا المثل له ضرب مضروب لقرية ويتحقق في كل قرية كما نذكر في السنن الجامعة لمثل هذه المعاني .
{ صاحب الجنة }
ومن هذه الأمثلة المضروبة قصة صاحب الجنة : { فدخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً * وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً } وهذا يبين لنا الأثر الذي قد يقع من هذه النعم، عقوبة من الله عز وجل في هذه النعم وكثرتها قد تفضي بالإنسان إلى الكفر وإنكار المنعم وإنكار الساعة وجعل موازين غير الموازين التي جعلها الله عز وجل، فهو يقول ولئن رددت إلى ربي لئن كانت هناك قيامة وآخرة ؛ فإني وإن كنت أنعمت وأكرمت في هذه الدنيا فيكون كذلك في ذلك الوقت : { فقال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا } وليس في كلامه الأول كفر بأنه ينكر وجود الخالق كلا !

ولكن هذا القول منه وجحود النعمة كان منه كفراً بالله سبحانه وتعالى .
ثم انظر إلى الأثر ماذا قال له هذا الصاحب وهو يحاوره : { فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك أو يرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيداً زلقا } ماذا حصل ؟
{ وأحيط بثمره } هاتان كلمتان لخصت ما أنزله الله من نقمة فقط أحيط بثمره، ما معنى أحيط بثمره ؟
يعني انتهى الأمر أحيط بثمره من عقاب الله وانتهى الأمر ، وكأن شيئاً لم يكن من قبل ، فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها .
ثم انظر كلمة { وأحيط بثمره } كيف كانت نتيجتها { وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً } .



قصص تبين لنا كيف يكون الأثر المباشر لكفران النعم سخط من الله وحلول عاجل قاصم بالنقم لأولئك الذين كفروا بأنعم الله سبحانه وتعالى .
{ على علم عندي }
وقصة قارون مثل أيضاً قارون الذي وصف الله عز وجل الذي وصف الله عز وجل قال سبحانه وتعالى : { وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة } هذا قال { إنما أوتيته على علم عندي } { فخرج على قومه في زينته } فبهت الناس كما يبهت الناس بذلك النعيم والسلطان والجاه والخدم والحشم التي عند الكبراء والأثرياء والأقوياء ، فخطفت تلك أبصارهم ، فقالوا : { يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم } لكن أهل الإيمان وأهل الفقه الإيماني : { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير } هذا النظر الذي يتجاوز الصور الظاهرة إلى الحقائق التي وراءها ، ثم بإيجاز جاء القول : { فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين } لا عاصم اليوم من أمر الله ولا يستطيع أحد أن يرد قضاء الله ولا تقوى قوة على أن تمنع النقم التي يصيب الله بها من جحدوا نعمه ، وكفروا بها وأعرضوا عنه سبحانه وتعالى .

{ عن يمين وشمال }
وقصة سبأ أيضاً قصة فيها عبرة وعظة أيضاً ، جاءت بفاءات التعقيب { لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال } ثم جاء فعلهم { فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور } .

وانظر دائماً إلى الكفر الذي يقابل الشكر لأن الله تعالى يقول : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } . فلذلك أمر الحفاظ على النعم بالشكر هو أمر من أعظم الأمور، ونعلم أيضاً أن الشكر نصف الإيمان وأن الإيمان صبر وشكر، شكر على النعماء صبر على الضراء يكمل بهما يقين العبد وإيمانه.
{كم تركوا }
وانظر أيضاً إلى ما قصّ الله عز وجل في قصة بني إسرائيل ، وقصة فرعون وقومه عندما أحلّ الله عليهم به نقمته سبحانه وتعالى، جاء الوصف القرآني عجيباً مؤثراً بليغاً يهزّ القلوب هزّاً ، ويؤثر في الوجدان تأثيراً عميقاً { كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين } في الأثر عن علي بن أبي طالب ، كما قال ابن كثير : " إذا مات ابن آدم بكى له موضعان موضع سجوده في الأرض ، ومصعد عمله في السماء "، أما الكافرون المعرضون الجاحدون لنعم الله فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين .

فهذه صور من نقم الله عز وجل ، وقصص من آثار كفران النعم في حياة الأمم التي سلفت والتي يتأمل يجد أن القرآن يخاطبنا خطابا قوياً واضحاً صريحاً ؛ لأن هذه سنن لا تتخلف ، وأن ذلك الأمر يتكرر كما فعل بأشياعكم سيفعل بكم فالله عز وجل { ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنه ولكن أكثرهم لا يعلمون * قد قالها الذين من قبله فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون * فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هـم بمعجزين * أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } فالأمر على سنن واحدة ، وعلى غرار واحد ، وعلى سنة كونية لا تتخلف .
ولذلك جاءت الآيات القرآنية توجز أمر السُنن ، بعد أن بيّن الله الوعيد الشديد والتحذير الأكيد من كفران النعم في قوله أيضاً للتأمل والتدبر والاتعاظ مما سلف : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار } .
انظر إلى أثر الفئة التي جحدت وكفرت بالنعم ، قال : { ألم إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار } وخسروا في الدنيا ، وحلت بهم النكائب والمصائب ، وحرموا النعم وحرموا قطر السماء ، وتزلزلت الأرض من تحتهم ، وتشققت من بين أرجلهم ، وابتلعت قراهم ، وحصلت لهم ما حصل وبعد ذلك : { جهنم يصلونها وبئس القرار } ، نسأل الله عز وجل السلامة .
فذلك الوعيد تنبيه إلى أن الأمر جار على السنة الإلهية التي لا تتخلف، وانظر إلى إيجاز بعض هذه السنن في شأن النعم والله عز وجل لا يخلف وعده ولا تتغير سنته مهما بلغ الأمر ، ومهما تبدلت أحوال الناس، فالسنة جارية .
أمثلة للسنن الإلهية
السنة الأولى : قوله جل وعلا : { أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } وهذا مبدأ قرآني وسنة إلهية إنما يقع من بلاء وفتنة وحرمان هو من عند أنفسكم أي بسبب كسبكم، كما قال الله سبحانه وتعالى تأييداً لذلك : { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } انظر إلى حالك مع الله عز وجل .. انظر إلى قلبك إخلاصاً وخوفاً وخشيةً وتوكلاً وإنابة ..
انظر إلى أعمالك .. استقامة وبر وخير .. انظر إلى لسانك ذكراً ، وتلاوة ،وتعبداً .. انظر ماذا أخللت بهذا تجد أن الله عز وجل قد أوجد العقوبة المكافئة له .
وسنذكر أن هناك عقوبات كثيرة قد وقعت في حياتنا والناس عنها غافلون .

السنة الثانية : الماضية على مستوى الأمم والمجتمعات والدول يقول الله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } وذلك في شكل إطار جماعي عام .. النعمة لا تسلب من أمة إلا إذا كثرت فيها أسباب الكفران لهذه النعم ، وتلك سنة جارية ماضية .
السنة الثالثة : قوله جل وعلا : { وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } كل نعمة إن عرفنا أنها لله عرفنا أنه يجب علينا فيها حقاً لله خضوعاً واعترافاً وثناءاً وعملاً كما مر بنا، ولذلك إدراك هذه الحقيقة هو أيضا سنة وقاعدة ربانية ينبغي أن لا نغفل عنها، وربط هذه السنن بعمل الناس أمر مقرر دائم ، كما في قوله فيما أسلفنا ذكره : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا } ومع ذلك فالله عز وجل يعفو عن بعض ذنوب الناس وآثار معاصيهم ، دون أن يجعل لكل ذنب عقوبة .
من أسباب النقم
{ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين } ثم بعدها في الآيات قال سبحانه وتعالى : { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون }

ولذلك من أعظم أسباب النقم هو الظلم ، وسبب الفسق والفجور والانحلال، وهذه أيضا سنة لا تتخلف ، وتظهر في واقع حياة الناس مطلقاً ودائماً، وكذلك سنة الاستدراج التي بيناها من قبل ، ونذكرها في قوله : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } نسوا الله عز وجل .. نسوا نعمته ، نسوا شكره ، نسوا عبادته .. فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، وهو تعبير قرآني يبيّن مدى النعم والخيرات التي يفيضها الله عز وجل، فتكون كأنها عمى على البصر بعد عمى البصيرة ، فلا يكاد يبصر شيء من خلل كما يحصل على القلب الذي يضرب الله عليه ويطبع عليه ، فلا يعرف حقاً ولا باطلاً ، قال الله عز وجل : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } وفي المقابل ينبغي أن ندرك أن الإيمان والطاعة هي أعظم سبب للنعم المادية والمعنوية حتى المادية وقد ذكرنا من قبل أن أمر أولئك الكافرين للاستدراج .


وسنذكر الآن أمر المؤمنين لأن الله عز وجل قال : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون * أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } كلما كان هناك إيمان ونعمة وطاعة كلما كانت هناك نعم من الله عز وجل، أما إذا كانت هناك الطاعة والإيمان وحرم العباد نعم الله أو جاءهم بعض البلاء والعناء، فذلك أيضا له تفسيره الإيماني ؛ وهو أن الله عز وجل إما أن يكفر بذلك بعض ذنوبهم حتى يخلصوا إلى الله يوم القيامة وهم مطهرون من الذنوب من أثر هذا البلاء الذي يصبرون عليه، ويحمدوا الله عليه ، أو يكون ذلك أن لهم عند الله عز وجل منازل عالية ومراتب رفيعة لا يبلغونها بأعمالهم ، فينزل بعض البلاء والفتنة والابتلاء لترفع درجاتهم عنده سبحانه وتعالى .


ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره له كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن إصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) ، ولذلك يبقى الشكر والصبر أمران متلازمان متداخلان وهما خلاصة الإيمان، وهذه السنن ينبغي أن نفقهها وأن نرى تطبيقها في واقعنا .. فنحن نرى اليوم في مجتمعات المسلمين غفلة عن نعم الله عز وجل ، ونوع من عدم الاكتراث والاهتمام ، بل هناك نوع من احتقار بعضها وازدرائها !


ونرى كذلك صور من البطر الذي هو من أسباب النقم ، ونرى كذلك نماذج كثيرة لا تحصى من صور الفسق والانحراف والفواحش ، التي تشيع بين الناس ، ونرى نماذج وصوراً عديدة من الظلم والطغيان كل ذلك تحصل به النقم .


وبعض الناس يلتفت يمنيا ويساراً : " أين هي النقم لا نراها ! "
كأنه يريد أن تكون لكل أحد نقمة بعينه في وقته والله عز وجل يدبر أمره ويحكم آياته ، وقد أبرم قضاءه وهو سبحانه وتعالى العالم بكل شيء والقدير على كل شيء ، وله في كل أمر حكمة بالغة ، وقدر سابق سبحانه وتعالى .. فقد ترى ظالماً وطاغية وأنت ترى تريد وتتمنى لو أنه قد نزلت عليه صاعقة من السماء ليكون موضع عبرة وعظة، ولكن حكمة الله وقضاءه يكون فيه من أسباب المصلحة لأهل الحق والإيمان ما لا يكون فيما تظنه وترجوه، والأمر لله من قبل ومن بعد .. لكن هناك نقمٌ كثيرة بيننا وفي صفوفنا ، وفي أنفسنا غير أننا ربما لضعف أو قلة فقهنا لا نبصرها ، ولست أريد أن أذكر النعم التي تحلّ بالمسلمين في النقم المادية الواضحة المحسوسة من زلازل تدك بنيانهم على أم رؤؤسهم ، أو من الفيضانات والحروب أو من تسلط الأعداء .. فذلك أمر ترونه وتعرفونه، غير أننا نذكر أمور أخطر ونقم أعظم من ذلك .
صور مخفية من النقم
1- ضعف الإيمان واليقين بالله عز وجل
أعظم النعم هي نعمة الإيمان والإسلام كما أشرت ، وأعظم النقم أن تصاب في هذه النعمة فإذا بك إيمانك ضعيف ، وقلبك قاسي ، وغفلتك قد استولت على نفسك وقلبك ومشاعرك .. وكأنك لم تعد ذلك المؤمن الذي يعرف القرآن ، ويعرف السنة ، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم !

أفلا نرى في نفوسنا وفي نفوس الناس حولنا غفلة وانصراف عن آثار الإيمان ، وعدم تحقق بمستلزماته .. هذه أكبر نقمة أن تنصرف أن يخلو قلبك مما يليق به ويلزم له من عظمة الخشية لله ، ومن عظمة التأثر بآيات الله عز وجل .. حتى إن القلوب القاسية التي هي حظ كثير منّا إلا من رحم الله عز وجل، هو نوع من العقوبة التي فيها ضرب مثل ينبغي أن نتنبه له في قوله عز وجل : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } فالجبل الأشمّ الأصمّ يتأثر .. فما بالك قلبك وأنت مسلم مؤمن مصليّ ساجد عابد تالي للقرآن ، وليس هناك شيء، إذا هذه خطورة عظيمة أن الحياة إيمان ، وأن نبض الإيمان ، وأن أثر الإيمان ضاع في نفوسنا وضعف في حياتنا ولا شك أن هذا من أعظم النقم .



2- قد أخبر الله أنه من صور ووقائع آخر الزمان، قلة العلم أن ترى في سير السلف كيف كان علمهم غزيراً ، وحفظهم عجيباً .. أين نحن من ذلك ونحن نعلم القصة المشهورة التي تروى عن الشافعي ..



شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأعلمني بأن العلم نـــور *** ونور الله لا يُهدى لعاصـي

وأن السلف كانوا يقولون : " إن العبد ليحرم العلم بالذنب يصيبه " يحرم العلم كيف !
يفتح عليك كيف تفهم ، كيف تفقه ، كيف تحفظ ، كيف تستنبط ، كيف تستطيع أن تنزل المسائل على الوقائع .. اليوم يأتي الناس بمسألتهم وفتواهم فلا يجدوا لها مجيباً ، وإذا وجدوا ربما وجدوا من يجيبهم بجهل فيظلهم فيكون هو ضالاً ويضلهم ، حتى إذا ذهب العلماء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : ( تخذ الناس رؤوساً جهالاً فسألوا وأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )

الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 2673
خلاصة حكم المحدث: صحيح



ألسنا نرى في مجتمعاتنا حيرة بسبب قلة علمنا وعدم فقهنا وعدم حفظنا وعدم استنباطنا حتى كأننا لم نعد نعرف من ديننا إلا أقل القليل أو معلومات مما هو معلوم من الدين بالضرورة ، أولم يعد كثير من أبناء المسلمين يعلمون من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قدر ما يعرفون من سير التافهين والتافهات من الفنانين والفنانات ، بل حتى من سير الكفرة وأعداء هذا الدين هذا نوع من الحرمان والنقمة العظمى من الله سبحانه وتعالى .


3- ضعف الاستقرار النفسي
كم ترى حيرة من الناس ، واضطراب في النفوس ، وجزع في الصدور ، وهلع في القلوب ، وحيرة وضرب في مشارق الأرض ومغاربها .. كأن الإنسان قد حرم تلك السكينة الإيمانية والطمأنينة التي تنعكس من أثر ذكر الله ، كما قال الله عز وجل : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } حرمان النعم ليس بالضرورة أن تحرم الطعام والشراب .. فالبهائم ترزق الطعام والشراب، فهل أنت شريك لها حتى تقارنك نفسك بها ؟!



إن هناك ما هو أعظم في الحرمان وذلك ما ابتلينا به .


4- شيوع المنكرات التي أشرنا إليها وسكوت أهل الحق إلا من حرم الله بل انعكاس الموازين، في واقع المجتمعات الإسلامية المنكر معروف والمعروف منكر والمنكر على المنكر كأنه أتى منكراً فهذه الصور قد ذكرها السلف رضوان الله عليهم وذكروا ما استعاذوا به من الغربة غربة الدين وغربة التزام المسلم بدنيه ، حتى إن المسلم الذي يلتزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحاول أن يتبع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يصبح غريباً شاذاً أصولياً متطرفاً إرهابياً إلى غير ذلك كل ذلك أيضا نقمة من الله تحل بعموم الأمة، ونحن نعلم أن النعمة تخص ولا تعم والنقمة تعمّ ولا تخص : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } وسألت زينب النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : أنهلك وفينا الصالحون ؟

قال : ( نعم إذا كثر الخبث )، وهذا أمر كثير وشائع بين الناس .


5- حصول عدم القناعة، عدم القناعة أيضاً ، نقمة من الله لأن الذي لا يقنع يجري ويلهث ثم لا يصيب شيئا إلا ما قدره الله له ، فلا تجده قانعاً ، ولا تجده راضياً بما قسمه الله له ، وهذا نوع من الجزع والهلع والتعب والنصب في هذه الحياة الدنيا كله نقم من الله عز وجل وحرمان .


6- سلب العافية كم سلبت اليوم بأمراض، ما كنا نسمع بها من قبل كما ورد في الحديث : ( إلا ابتلاهم الله بالأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ) كل هذه نقم، أتريد بعد أن تنزل النقمة على أم رأسك أو على من قام بالمنكر أو من قال كلمة كفر بعينه .. أفليست هذه كلها مصائب وبلايا ؟!
فضلاً عن النقم الأخرى التي زرعت الشحناء في القلوب لا تكاد ترى فئة من الناس من المسلمين خمسة أو عشرة يداومون على نقاء ومحبة ومودة وصفاء وإخوة وقيام بحقوقها فترة من الزمن حتى تنفصم هذه عرى هذه الإخوة ، وتشيع الشحناء والبغضاء ، ويدبّ الحسد والحقد وغير ذلك من الأمور التي حرم الناس بركتها وخيرها .. بينما كانت في سلف الأمة هي التي كانت تظلل ذلك المجتمع بظلال الإسلام، فينعمون في هذه الحياة الدنيا نِعَم مادية ومعنوية، هي أعظم ما يمنّ الله به على عباده المؤمنين .


أفلسنا نرى أيضا انخرام الأمن وضياعه وضعفه وقلته في كثير من بلاد المسلمين إلا ما رحم الله، وكلما أحدث الناس حدثاً كلما سلبوا من نعمة الأمن شيئاً، حتى صار الناس في جزع وهلع وخوف وحرموا حتى استمتاعهم بنعمهم التي أفاضها الله عليهم من طعام وشراب وغيره، أفلست ترى أصحاب الأموال وأحدهم لا يستطيع أن يأكل من الطعام إلا نوع أو نوعين ؛ لأنه قد بلي بأمراض لا يستطيع بسببها أن يأكل ما يشتهي يجد الطعام بين عينيه والمال بين يديه ويسوق كل الخير بين يديه لكنه لا يستطيع، وترى كذلك صاحب المال والثراء وهو ينام متقلب على فراشه لا يغمض له جفن وهو خائف على ماله أو خائف على نفسه ممن يحسده أو يتربص به، فسدت الحياة وقلت خيراتها وذهبت بركاتها .


وقد ذكر ابن القيم رحمة الله عليه في " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " نقم لحصول الذنوب والمعاصي كثيرة منها حتى اختلال العقل ، ونرى اليوم من اختلال العقل أموراً عجيبة من أفكار الناس واضطرابهم وإتيانهم بأمور لا تخطر على بال أحد وتفكير الناس بأقذر وأبشع الصور التي فيها انحراف عن الإنسانية والفطرة البشرية ، بما لا يمكن أن يكون حتى من الحيوانات والبهائم كل ذلك نوع من النقم التي أبتلي بها المسلمون فضلاً من غير المسلمين أي الكفرة الذين لم يؤمنوا بالله ، ولم يدخلوا في دين الإسلام، فإذا هذه النقم ينبغي أن تكون نذيرا واعظا منبها إلى خطورتها أن تتضاعف ، فتكون نقماً ماحقة ساحقة قاصمة .


وأكثر من ذلك الخوف مما يترتب على ذلك في الآخرة نسأل الله عز وجل السلامة .
فسنن الله عز وجل لا تحابي أحداً ولو كانت تحابي أحداً لكان أولى أن تحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يوم أحد نعلم ما قصر الصحابة فيه من سماع أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكيف كانت التربية الإلهية ، وجاء قول الله عز وجل : { قل هو من عند أنفسكم } ولما كان يوم حنين وأعجبتهم كثرتهم أيضا جاءهم الدرس الإلهي الذي يلقن الإنسان أن كل انحراف عن أمر الله عز وجل في باطنه أو ظاهره تعقبه عقوبة .

والأخطر من ذلك كله الذي ذكرته في أول ذكري لهذه النقم هو أننا لا نشعر بالنقم ونبحث عنها نقول قد فعل الناس وفعلوا فأين نقم الله بهم وأين انتقامه منهم، هذا هو أعظم النقم أن لا تدرك هذه النقم ،وأن لا تعرف بمقياس الإيمان أن هناك مصائب قد حلّت ، وأن هناك بلايا قد وقعت ، وأن هناك غربة للدين ، وأن هناك حرب عليه ، وأن هناك تضييق على حملته ودعاته، كل ذلك نوع من أسباب البلاء .. أما سمعنا الحديث القدسي : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) فكيف بما يشيع في مجتمعات الأمة المسلمة اليوم ؟!
لا بد أن نفقه هذه السنن في أمر النعم والنقم علنا أن نقيد النعم بالشكر ،وأن نبتعد عن النقم بترك كل سبب يفضي إليها وهذا ما نحتاج إليه، ولا بد أن نتواصى به ، ولا بد أن نكشفه لأنفسنا ، وأن نصارح به أنفسنا حتى ننتفع بذلك بإذن الله عز وجل .

دار

اللـَّــ̯͡ﮭ يعطيكِ. العافيه ع الطرح

دار

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس 2024.

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

دار

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

فأوصيكم – عباد الله – ونفسي بتقوى الله، فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب، وأسمى المناقِب، وبها تُنال أعلى المراتب، وتتحقَّق أعظم المطالب.

عباد الله:
تعيش الأمَّة الإسلاميَّة هذه الأيام إشراقةَ سنةٍ هجريَّة جديدة، وإطلالةَ عامٍ مباركٍ بإذن الله، بعد أن أَفَلَت شمسُ عامٍ كامل، مضى بأفراحه وأتراحه، فقوِّضت خيامه، وتصرَّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله، ما أسرع مرور الليالي والأيام، وتصرُّم الشهور والأعوام! لكن الموفَّق الملهَم مَنْ أخذ من ذلك دروسًا وعِبرًا، واستفاد منه مُدَّكَراًً ومُزدَجَراً، وتزوَّد من المَمَرِّ للمَقَرِّ، فإلى الله – سبحانه – المرجِع والمستقرّ، والكيِّس المُسَدَّد مَنْ حاذَر الغفلة عن الدَّار الآخِرة حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرَّة، فيكون بعد ذلك عظةً وعبرة، واللهَ نسألُ أن يجعل من هذا العام نُصْرَةً للإسلام والمسلمين، وصلاحًا لأحوالهم في كلِّ مكان، وأن يعيده على الأمَّة الإسلاميَّة بالخير والنَّصر والتَّمكين، إنه جوادٌ كريم.

إخوة الإسلام:
حديث المناسبة في مطلع كلِّ عامٍ هجريٍّ: ما سطَّره تاريخنا الإسلاميّ المجيد من أحداثَ عظيمة، ووقائعَ جسيمة، لها مكانتها الإسلاميَّة، ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمَّة وقوَّتها وصلاح شريعتها لكلِّ زمانٍ ومكان، وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.

معاشر المسلمين:
ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمَّة الجديرة بالإشادة والتَّذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد، علَّها تكون سببًا في شَحْذ الهِمَم، واستنهاض العزمات للتمسُّك الجادِّ بكتاب الله وسنَّة رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وحاملةً على الاتِّعاظ والاعتبار، ووقفاتِ المحاسبة الدقيقة، ونظراتِ المراجعة المستديمةِ في الأمَّة، تجديدًا في المواقف، وإصلاحًا في المناهج، وتقويمًا للمسيرة في كافَّة جوانبها.

إخوة العقيدة:
وأوَّل هذه الإشارات – مع حَدَث السَّاعة وحديثها -: الحدث الذي غيَّر مجرى التاريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتَّضحية والإباء، والصَّبر والنَّصر والفداء، والتوكُّل والقوَّة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، إنَّه حَدَثُ الهجرة النبويَّة، الذي جعله الله – سبحانه – طريقًا للنَّصر والعزَّة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يُشِعَّ في جميع أرجاء المعمورة لو بقيَ حبيسًا في مَهْدِه، ولله الحكمة البالغة في شَرْعِه وكَوْنِه وخَلْقِه.

إنَّ في هذا الحدث العظيم من الآيات البيِّنات والآثار النيِّرات والدروس والعِبَر البالغات ما لو استلهمته أمَّة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطُّرُق؛ لتحقَّق لها عزُّها وقوَّتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنَّه لا حلَّ لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلاَّ بالتمسُّك بإسلامها، والتزامها بعقيدتها وإيمانها، فوَالذي بعث محمَّدًا بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا ما قامت الدُّنيا إلا بقيام الدِّين، ولا نال المسلمون العزَّة والكرامة والنَّصر والتَّمكين إلاَّ لما خضعوا لربِّ العالمين، وهيهات أن يحلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلاَّ باتِّباع نهج الأنبياء والمرسلين.

إذا تحقَّق ذلك – أيُّها المسلمون – وتذكَّرتِ الأمَّة هذه الحقائق النَّاصعة، وعملت على تحقيقها في واقع حياتها؛ كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به، والدِّرع الحصين الذي تتَّقي به في وجه الهجمات الكاسحة والصراع العالمي العنيف، فالقوة لله جميعًا، والعزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين.


أمَّة التَّوحيد والوَحْدة:

لقد أكَّدت دروس الهجرة النبويَّة أنَّ عزَّة الأمَّة تكمن في تحقيق كلمة التَّوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأنَّ أيَّ تفريطٍ في أمر العقيدة أو تقصيرٍ في أخوَّة الدِّين مآله ضعف الأفراد وتفكُّك المجتمع وهزيمة الأمَّة، وإنَّ المتأمِّل في هزائم الأمم وانتكاسات الشُّعوب عبر التاريخ – يجد أنَّ مَرَدَّ ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة والتَّساهل في جانب الثَّوابت المعنويَّة مهما تقدَّمت الوسائل الماديَّة، وقوَّة الإيمان تفعل الأعاجيب، وتجعل المؤمن صادقًا في الثِّقة بالله والاطمئنان إليه والاتكال عليه، لا سيَّما في الشَّدائد.

ينظر أبو بكر الصدِّيق – رضيَ الله عنه – إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصَرَنَا! فيجيبه جواب الواثق بنصر الله: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!))[1].

الله أكبر! ما أعظم لطف الله بعباده ونصره لأوليائه، وفي هذا درسٌ بليغٌ لدعاة الحقِّ وأهل الإصلاح في الأمَّة: أنه مهما احْلَوْلَكَتِ الظُّلمات فوعد الله آتٍ لا محالة: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا}
[يوسف: 110].

أمَّة الإسلام:
ودرسٌ آخَر من دروس الهجرة النبويَّة، يتجلَّى في أنَّ عقيدة التَّوحيد هي الرَّابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات القوميَّة والتمايزات القَبَلِيَّة والعلاقات الحزبيَّة، واستحقاق الأمَّة للتبجيل والتَّكريم مدينٌ بولائها لعقيدتها وارتباطها بمبادئها، يُقال ذلك – أيُّها المسلمون – وفي الأمَّة في أعقاب الزَّمن منهزمون كُثُر، أمام تيَّارات إلحاديَّة وافدة ومبادئ عصريَّة زائفة، ترفع شعارات مصطنَعة وتطلق نداءات خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلَّ والصَّغار، والمهانة والتَّبار، والشَّقاء والبَوَار، فأهواءٌ في الاعتقاد، ومذاهبٌ في السياسة، ومشاربٌ في الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلُّف المهين والتمزُّق المشين.

وفي خضمِّ هذا الواقع المُزْرِي يحقُّ لنا أن نتساءل بحرقةٍ وأسى: أين دروس الهجرة في التَّوحيد والوَحْدة؟!

أين أخوَّة المهاجرين والأنصار مِن شعارات حقوق الإنسان المعاصِرة ومدنيَّته الزَّائفة؟!

فقولوا لي بربِّكم: أيُّ نظامٍ راعَى حقوق الإنسان وكرَّمه أحسن تكريمٍ وكفل حقوقه كهذا الدِّين القويم؟!

فلتَصُخَّ منظَّمات حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرِح الشَّائعات المغرِضة عن الإسلام وأهل الإسلام وبلاد الإسلام، إن أرادت توخِّي الصِّدق والموضوعيَّة.

إنَّ هذه الإلماحة إلى درس الهجرة في التَّضحية والبَذْل والفداء، ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريَّته وحقوقه، يجرُّ – يا رعاكم الله إلى تذكُّر أحوال إخواننا في العقيدة في بقاعٍ شتَّى من العالم؛ حيث حلَّت بهم مصائب وبلايا، ونكبات ورزايا.

سائلوا أرضَ النبوَّات ومهد الحضارات ومنطلَق الرسالات وبلاد المعجزات؛ فلسطين المجاهِدة: ماذا تعاني من صلفٍ يهوديٍّ سافر، ومن حقدٍ صهيونيٍّ أرْعَن؟!

سائلوا الشِّيشانَ وكشميرَ وغيرها عن الأوضاع المأساوية؛ علَّ دروس الهجرة النبويَّة تحرِّك نخوةً وتَشْحَذُ همَّةً وتستَنْهِض عزمًا، وما ذلك على الله بعزيز.

إخوة الإيمان:
وفي مجال تربية الشَّباب والمرأة، وميدان البيت والأسرة – يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفَوِيَّة، على صاحبها أفضل الصَّلاة وأتمُّ التَّسليم؛ ففي موقف عبدالله بن أبي بكر – رضيَ الله عنهما – في خدمة ونُصْرَة صاحب الهجرة عليه الصَّلاة والسَّلام – بأبي هو وأمي – ما يجلِّي أثرَ الشَّباب في الدَّعوة، ودورهم في الأمَّة ونُصْرة الدِّين والملَّة. أين هذا ممَّا ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمَّة وثقافتها من تخدير الشَّباب بالشَّهوات، وجَعْلِهم فريسةً لمهازل القنوات وشبكات المعلومات، في الوقت الذي يعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمَّات؛ في الحفاظ على الدِّين والقِيَم، والثَّبات على الأخلاق والمبادئ، أمام المتغيِّرات المتسارِعة، ودعاوَى العَوْلَمَة المفضوحة؟!

أيُّها الإخوة والأخوات:
وفي موقف أسماء بنت أبي بكر – رضيَ الله عنها، ورضيَ الله عن آل أبي بكر وأرضاهم – ما يجلِّي دورَ المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها؛ فأين هذا من دعاة المدنيَّة المأفونة، الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورَجْلِهم، زاعمين – زورًا وبهتانًا – أنَّ تمسُّك المرأة بثوابتها وقِيَمها، واعتزازها بحجابها وعفافِها – تقييدٌ لحريَّتها وفقدٌ لشخصيَّتها، وبئس ما زعموا؟!

فخرجت من البيت تبحث عن سعادةٍ موهومة وتقدميَّة مزعومة، لتظنّها في الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبةَ الشَّرف، مدنَّسةَ العِرْض، مُغتصَبةَ الحقوق، عديمة الحياء، مؤودة الغَيْرَة، وتلك صورةٌ من صور إنسانيَّات العصر المزعومة وحريَّته المأفونة ومدنيَّته المدَّعاة. ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثات وراء السَّراب الخادع، والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.

أيُّها الأحبَّة في الله:
وإشارةٌ أخرى إلى أمرٍ يتعلَّق بحَدَث الهجرة النبويَّة، في قضيةٍ تعبِّر بجلاءٍ عن اعتزاز هذه الأمَّة بشخصيتها الإسلاميَّة، وتُثبِت للعالم بأسره استقلال هذه الأمَّة بمنهجها المتميِّز المستَقى من عقيدتها وتاريخها وحضارتها، إنها قضيَّةٌ إسلاميَّةٌ، وسنَّةٌ عُمَرِيَّة أجمع عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب – رضيَ الله عنه – إنَّها التَّوْقيت والتَّأريخ بالهجرة النبويَّة المبارَكة، وكم لهذه القضيَّة من مغزًى عظيم يَجْدُر بأمَّة الإسلام اليوم تذكُّره والتقيُّد به، كيف وقد فُتِنَ بعض أبنائها بتقليد غير المسلمين والتشبُّه بهم في تاريخهم وأعيادهم، أين عزَّة الإسلام؟!
وأين هي شخصية المسلمين؟! هل ذابت في خضمِّ مُغرِيات الحياة؟!

فإلى الذين تنكَّروا لثوابتهم وخدشوا بهاء هُوِيَّتهم، وعملوا على إلغاء ذاكرة أمَّتهم، وتهافتوا تهافتًا مذمومًا، وانساقوا انسياقًا محمومًا خلف خصومهم، وذابوا وتميَّعوا أمام أعدائهم، ننادي نداءَ المحبَّة والإشفاق: رويدكم؛ فنحن أمَّة ذات أمجاد وأصالة، وتاريخ وحضارة، ومنهج متميِّز مُنْبَثِق من كتاب ربِّنا وسنَّة نبيِّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – فلا مساومةَ على شيءٍ من عقيدتنا وثوابتنا وتاريخنا، ولسنا بحاجةٍ إلى تقليد غيرنا؛ بل إن غيرُنا – في الحقيقة – بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا، لكنَّه التَّقليد والتَّبعيَّة، والمجاراة والانهزاميَّة، والتَّشبُّه الأعمى من بعض المسلمين – هداهم الله – وقد حذَّر رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمَّته من ذلك بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد وأهل "السُّنن": ((مَنْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم))[2]، والله المستعان.

أيُّها الإخوة المسلمون:
وثالث هذه الإشارات إلى حدث عظيم في شهر الله المحرَّم، فيه درسٌ بليغٌ على نصرة الله لأوليائه وانتقامه من أعدائه مهما تطاولوا، إنَّه حدث قديم، لكنَّه بمغزاه متجدِّدٌ عبر الأمصار والأعصار، إنه يوم انتصار نبيِّ الله وكليمه موسى عليه السَّلام وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعِبَر والعظات والفِكَر للدعاة إلى الله في كلِّ زمانٍ ومكان، فمهما بلغ الكَيْد والأذى والظُّلْم والتسلُّط؛ فإن نصر الله قريبٌ، ويا لها من عبرةٍ لكلِّ عدوٍ لله ولرسوله ممَّن مشى على درب فرعون، أنَّ الله منتقمٌ من الطُّغاة الظَّالمين، طال الزمن أو قَصُرَ؛ فيوم الهجرة ويوم عاشوراء يومان من أيام النَّصر الخالدة.

ألا فلتقرَّ بذلك أعين أهل الحقِّ ودُعاته؛ فالعاقبة للمتَّقين، وليتنبَّه لذلك قبل فوات الأوان أهلُ الباطل ودُعاته، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشَى}
[النازعات: 26]
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}
[الفجر: 14].

إنَّ في الحوادث لعِبَرا، وإنَّ في التاريخ لخَبرا، وإنَّ في الآيات لنُذُرا، وإنَّ في القَصَص والأخبار لمُدَّكَرًا ومُزْدَجَرا، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
[يوسف: 111].

اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخِرها، وخير أيَّامنا يوم نلقاكَ.
اللهم اجعل حاضرنا خيرًا من ماضينا، ومستقبلنا خيرًا من حاضرنا، إنَّك خير مسؤولٍ وأكرم مأمول.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات، من كلِّ الذنوب والخطايا والسيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه كان توابًا.

الخطبة الثَّانية

الحمد لله الملك القدُّوس السلام، مُجري الليالي والأيام، ومُجدِّد الشهور والأعوام، أحمده تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل شهر المحرَّم فاتحة شهور العام، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبد الله ورسوله سيد الأنام، وبدر التَّمام، ومِسْك الختام، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله البَرَرَة الكِرام، وصَحْبِه الأئمَّة الأعلام، والتَّابعين ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ ما تعاقب النُّور والظَّلام.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله – عباد الله – وتمسَّكوا بدينكم، فهو عصمةُ أمركم، وتاج عزِّكم، ورمزُ قوتَّكم، وسبب نصركم، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هَدْيُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

أيُّها الإخوة في الله:
إشارةٌ رابعةٌ إلى فاتحة شهور العام؛ شهر الله المحرَّم، إنه من أعظم شهور الله – جلَّ وعلا – عظيم المكانة، قديم الحُرْمَة، رأس العام، من أشهر الله الحرام، فيه نصَرَ الله موسى وقومه على فرعون وملئه، ومن فضائله: أنَّ الأعمال الصَّالحة فيه لها فضلٌ عظيمٌ، لا سيَّما الصِّيام؛ فقد روى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هُرَيْرَةَ – رضيَ الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصِّيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة صلاة اللَّيل))[3].

وأفضل أيام هذا الشَّهر – يا عباد الله – يوم عاشوراء، وفي "الصحيحَيْن" عن ابن عبَّاسٍ – رضيَ الله عنهما – قال: "قدم النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء؛ فقال لهم: ((ما هذا اليوم الذي تصومونه؟)). قالوا: هذا يومٌ عظيمٌ، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا؛ فنحن نصومه. فقال: ((نحنُ أحقُّ بموسى منكم))؛ فصامه وأمر بصيامه[4].

وفي "صحيح مسلم" عن أبي قَتادة – رضيَ الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئل عن صيام يوم عاشوراء؛ فقال: ((أحتسبُ على الله أن يكفِّر السَّنة التي قبله))[5].

الله أكبر! يا له من فضلٍ عظيم لا يفوِّته إلا محروم.

وقد عزم على أن يصوم يومًا قبله مخالفةً لأهل الكتاب؛ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التَّاسع))؛ أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"، من حديث ابن عبَّاس – رضيَ الله عنهما[6].

لذا فيستحبُّ للمسلمين أن يصوموا ذلك اليوم اقتداءً بأنبياء الله، وطلبًا لثواب الله، وأن يصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده؛ مخالفةً لليهود، وعملاً بما استقرَّت عليه سنَّة المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيا له من عملٍ قليلٍ وأجرٍ كبيرٍ وكثيرٍ من المُنعِم المتفضِّل سبحانه!

إنَّ ذلك – أيها الأحبَّة في الله – لمَنْ شكر الله – عزَّ وجلَّ – على نعمه، واستفتاحُ هذا العام بعملٍ من أفضل الأعمال الصَّالحة التي يُرجَى فيها ثواب الله – سبحانه وتعالى – والكَيِّس الواعي والحصيف اللبيب يدركُ أنَّه كَسْبٌ عظيمٌ ينبغي أن يُتَوِّج به صحائف أعماله، فيا لفوز المشمِّرين.

نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم منهم بمنِّه وكرمه.

هذا، واعلموا – رحمكم الله – أنَّ من أفضل الطَّاعات وأشرف القُربات كثرة صلاتكم وسلامكم على خير البريَّات، صاحب المعجزات الباهرات، والآيات البيِّنات؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم – جلَّ وعلا – فقال تعالى قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}
[الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين…

ـــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري في المناقب (3653)، ومسلم في الفضائل (2381) من حديث أبي بكر رضي الله عنه.
[2] أخرجه أحمد (2/50)، وأبو داود في اللباس، باب: في لبس الشهرة (4031)، وعبد بن حميد (1/267)، والبيهقي في الشعب (2/75) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال ابن تيمية كما في المجموع (25/331): "هذا حديث جيد"، وقال العراقي في تخريج الإحياء (1/342): "سنده صحيح"، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/271)، وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة (ص104).
[3] أخرجه مسلم في الصيام (1163).
[4] أخرجه البخاري في الصوم (2004)، ومسلم في الصيام (1130).
[5] أخرجه مسلم في الصيام (1162).
[6] أخرجه مسلم في الصيام (1134).

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

أختي الغالية
بارك الله بكِ
اللهم اجعل نُطقها ذكرًا..
وصمتها فكرًا.. ونظرها عبرًا..
ولا تجعلها ممن أطال الأمل..
وأساء العمل.. وأكثر الجدل..
واجعلها ممن سمع الحكمة فوعى..
وسمع القرآن فدنا
واتبع الصراط فنجا..
يا سميع الدعاء.. يا مجيب الدعاء
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

طرح أكثر من رائع
روعه وجدتها بين الكلمات
استمتعت بما قرأت
و نطمع بالمزيد من طروحاتك الجمييله
شكري لك ,

دار

وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم

دار

في وداع العام الهجري 2024.

في وداع العام الهجري

دار دار
دار


الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والحمد لله الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيراً. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.


أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله واعتبروا بما ترون وتسمعون. تمر الشهور بعد الشهور والأعوام بعد الأعوام ونحن في سبات غافلون.
ومهما عشت يا ابن آدم فإلى الثمانين أو التسعين. وهبك بلغت المئين.
فما أقصرها من مدة وما أقله من عمر.
قيل لنوح عليه الصلاة والسلام وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً: كيف رأيت هذه الدنيا فقال: كداخل من باب وخارج من آخر.
فاتقوا الله أيها الناس.
وتبصروا في هذه الأيام والليالي فإنها مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة حتى تنتهوا إلى آخر سفركم.
وكل يوم يمر بكم فإنه يبعدكم عن الدنيا ويقربكم من الآخرة.
فطوبي لعبد اغتنم حياته وهذه الأيام بما يقربه إلى ربه ومولاه.
وطوبى لعبد شغلها بالطاعات واتعظ بما فيها من العظات وانقضاء الأعمار.
وطوبى لعبد أستدل بتقلب الليل والنهار على ما في ذلك من الحكم البالغة لأولي الألباب والأبصار
﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44].
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 5، 6].


عباد الله:

جمعتكم هي آخر جمعة من هذا العام الهجري فبعد أيام قلائل سيطوى سجله ويختم عمله.
فهنيئاً لمن أحسن فيه واستقام.
وويل لمن أساء وارتكب الأجرام. فهلم نتساءل عن هذا العام.
كيف قضيناه وما أودعناه فيه.
ولنفتش كتاب أعمالنا كيف أمليناه.
فإن كان خيراً حمدنا الله وشكرناه.
وإن كان شراً تبنا إلى الله واستغفرناه، ولينظر كل منا في أمره فإن كان من المفرطين وهذا هو الواقع وهو الحاصل أننا فرطنا وأكثرنا التسويف وأكثرنا الآمال وضيعنا الليالي والأيام فكم من يومٍ فضيل صيامه ما صمناه، وكم من ساعة فضِيلٌ قيامها لم نقمها، فليحاسب العاقل نفسه فإن كان فرط فيما مضى فليتب إلى الله ويتدارك ما بقى.


عباد الله:

كم يتمنى المرء ويفرح بتمام شهره ومرور السنة عليه ليحصل على الراتب الشهري أو التعديل السنوي، والله إن فرحه بانقضاء الشهر والعام إنما هو فرحٌ بنقص من عمره والدنو للأجل فرح بأنه يقترب من فراقه لأهله وانتقاله لقبره.
فإنما ذلك مراحل نقطعها من سفرنا.
وصفحات نطويها من دفاترنا.
فهل يفرح بذلك إلا من استعد للقدوم على ربه بامتثال أمره.


عباد الله:

ألم تروا إلى هذه الشمس كل يوم تطلع وتغرب.
ففي طلوعها ثم غروبها إيذان بأن هذه الدنيا ليست بدار قرار.
وإنما هي طلوع ثم غروب. ألم تروا إلى هذه الأعوام تتجدد عاماً بعد عام.
فأنتم تودعون عاماً شهيداً عليكم.
وتستقبلون عاماً جديداً مقبلاً إليكم.
فبماذا تودعون العام الماضي وتستقبلون العام الجديد.
فليقف كل منا مع نفسه محاسباً ماذا أسلفت في عامها الماضي. فإن كان خيراً ازداد وإن يكن غير ذلك أقلع وأناب.
فإنما تمحي السيئة بالحسنة.
قال – صلى الله عليه وسلّم -: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
ليحاسب كل منا نفسه عن فرائض الإسلام وأدائها.
عن حقوق المخلوقين والتخلص منها. عن أمواله التي جمعها من أين جاءت وكيف ينفقها.


أيها الناس:

حاسبوا أنفسكم اليوم فأنتم أقدر على العلاج من غداً.
فإنكم لا تدرون ما يأتي به الغد.
حاسبوها في ختام عامكم وفي جميع أيامكم. فإنها خزائنكم التي تحفظ لكم أعمالكم.
وعما قريب تفتح لكم فترون ما أودعتم فيها.

وقال أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – في خطبته "أنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غيب عنكم فإن استطعتم أن لا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا"
وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في خطبته: (أيها الناس حاسبوا أنفسكم اليوم قبل أن تحاسبوا.
وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر على الله).
﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18].
قال أحد السلف: (مثلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثلتُ نفس في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي أي نفسُ أي شيء تريدين؟
قالت أريد أن أعود إلى الدنيا فأعمل صالحا، قال قلت فأنتي في الأمنية فاعملي)، هكذا كان أحدهم يتخيل لنفسه النعيم حتى ينهض بنشاط وقوة على الطاعة، ويتخيل الجحيم حتى يرتدع وينزجر عن المعصية، فبهذا عباد الله أنصح نفسي وإياكم فكل من أراد أن يعين نفسه على الطاعة أن يتخيل أنه في نعيم الجنة يتخيل أنه في نعيم لا ينقطع ولذة لا تحول أبدى فإن تخيل هذا الخير العظيم والرغب في الوصول إليه يدفعك إلى أعمال الخير ويحثك على العبادة، ثم يتخيل أنه في النار بين حرها وزقومها وسلاسلها وصديدها بين عقاربها وحياتها فإن ذلك يزجره عن معصية كاد يخطو إليها ويرده عن فاحشة كاد يصل إليها.


عباد الله:

لنتذكر بانقضاء العام انقضاء العمر.
وبسرعة مرور الأيام قرب الموت.
وبتغير الأحوال زوال الدنيا وحلول الآخرة.
فكم ولد في هذا العام من مولود وكم مات فيه من حي.
وكم استغنى فيه من فقير.
وافتقر من غني.
وكم عز فيه من ذليل.
وذل فيه من عزيز
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26، 27].

أيها المسلم:

راجع نفسك على أي شيء تطوي صحائف هذا العام: فلعله لم يبق من عمرك إلا ساعات أو أيام.
فاستدرك عمراً قد أضعت أوله. قال- صلى الله عليه وسلم -: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك. وصحتك قبل سقمك. وغناك قبل فقرك. وفراغك قبل شغلك. وحياتك قبل موتك".

الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 3355
خلاصة حكم المحدث:صحيح

هكذا أوصانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. باغتنام هذه الخمس قبل حلول أضدادها.
فاتقوا الله عباد الله واستدركوا ما فات بالتوبة واستقبلوا ما بقى بالعمل الصالح.
فإن إقامتكم في هذه الدنيا محدودة وأيامكم معدودة وأعمالكم مشهودة.
فوالله ثم والله أخي إنه لينتظرنا كأس لزاماً علينا أن نذوقه إنه الموت فوالله لأموت أنا وتموت أنت ويموت كل حي شئنا أم أبينا رضينا أم لم نرضى، وأن بعد الموت قبرٌ وبعثٌ ونشور وكتابٌ يسطر كل ما عملناه في أعمارنا وأن هناك يوم جزاء وحساب فإما جنة أو نار جزاء على ما قدمناه في أيامنا وحياتنا، فمن قضى عمره في طاعة ربه ومولاه وقدم خيرا فهو إلى خير ونعيم أبدي إنشاء الله، ومن قضى عمره في اقتراف الشرور المعاصي وإغضاب ربه عز وجل فهو إلى شر وشقاء أبدي ألم يتداركه الله عز وجل برحمته.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا * وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 12 – 15].

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه غنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله منشئ الأيام والشهور، ومفني الأعوام والدهور، وميسر الميسور ومقدر المقدور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وأشهد أن لا إلـه إلا الله الغفور الشكور. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل أمر وأجل مأمور.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
وضاعف اللهم لهم الأجور.


أما بعد:

عباد الله: إننا على شرف انقضاء عام هجري ربما لم يبقى منه إلى يوم، فيزداد بذلك أعوامنا عاما وتنقص أعمارنا عاما وندنو من الموت عاما، فكل ساعة ذهبت لن تعود وكل يوم مضى لن يعود وكل شهر وكل سنة ذهبت لن تعود، فاتقوا الله عباد الله واستدركوا عمراً ضيعتم أوله، فرحم الله عبداً اغتنم أيام القوة والشباب، وأسرع بالتوبة والإِنابة قبل طي الكتاب، وأخذ نصيباً من الباقيات الصالحات، قبل أن يتمنى ساعة واحدة من ساعات الحياة، فإن النهار كل يوم يقول يا أبن آدم اغتنمني فإنك لا تدري لعله لا يوم لك بعدي، ويقول الليل مثل ذالك.
قال ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه في غير قربة. وقال أيضاً وأعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع من لحضه فإن في الحديث عنه – صلى الله عليه وسلم – قال:((من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة)).

الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 1540
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره

فيا أيها المسلمون كم نخلة ضيعناها في الجنة إذا كانت لحظت واحدة تقول فيها سبحان الله العظيم وبحمده تكون غرساً لك في الجنة، فكم من بستان ضيعناه في الجنة؟
كم من الساعات أضعناها ففاتنا فيها الثواب الجزيل.


عباد الله:

كم تمر على المسلم الأعوام والحال هو الحال لا يتغير ولا يتبدل عما هو فيه من غفلة وقسوة في القلب ومعاص بلغت عنان السماء، أوامر الرحمــن معطلة وأوامر الشيطان تنفذ انشغل الناس بالمعاصي، فإذا كان العام الهجري الجديد، قالوا هذا هو العام الهجري الجديد، ولكن أخي أين الجديد من أفعالك؟
أين الجديد من أقوالك؟
ألا يوجد قلب ناه يفكر فيما مضى من العمر وانصرم من الساعات؟!!
قال الأمام ابن رجب: (العجب ممن عرف ربه ثم عصاه وعرف الشيطان ثم أطاعه).


عباد الله:

هلا تفكرتم أين من كان قبلكم في الأوقات الماضية، أما وافتهم المنايا وقضت عليهم القاضية، رحلوا إلى القبور وقل والله بعدهم بقاؤنا، هذه دورهم فيها سواهم، هذا صديقهم قد نسيهم وجفاهم.
أخبارهم السالفة تزعج الألباب، وأدكارهم يصدع قلوب الأحباب، وأحوالهم عبرة للمعتبرين، فتأملوا أحوال الراحلين، واتعظوا بالأمم الماضين، لعل القلب القاسي يلين، وانظروا لأنفسكم ما دمتم في زمن الإِمهال، واغتنموا في حياتكم صالح الأعمال، قبل أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله، فيقال هيهات فات زمن الإِمكان، وحصل الإِنسان على عمله من خير أو عصيان، فنسألك اللهم يا كريم يا منان، أن تختم عامنا هذا بالعفو والغفران، والرحمة والجود والامتنان، وأن تجعل عامنا المقبل عاماً مباركاً حميداً، وترزقنا فيه رزقاً واسعاً وتوفيقاً وتسديداً، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وأصلح لنا جميع أحوالنا.


فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.


اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والأكرام.


اللهم نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك ألسنة ذاكرة صادقة، وقلوباً سليمة، وأخلاقاً مستقيمة برحمتك يا أرحم الراحمين.


اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر. اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة، يا كريم يا رحيم.

عباد الله:

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينها عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الشيخ أحمد محمد مخترش

دار دار


أختي الحبيبة

جزاكِ الله خير الجزاء وحسن الثواب
أحسن الله إليكِ وأنار قلبكِ بنور الإيمان
موضوع مهم جداً يستحق العرض والطرح نفع الله بكِ الإسلام والمسلمين
اللهم أجعلنا ممن تزودوا بزاد التقوى
اللهم أحسن بالصالحات أعمالنا
وتوفنا وأنت راض عنا إنك جواد كريم

تقبلى مروري وتقييمي يالغلا.. بانتظار جديدك المميز دوماَ ..

دار

جزاك الله خيرا حبيبتي
وبارك فيك وسددخطاك لما يحب ويرضى
لا حرمتي الاجر والمثوبه
ولا عدمنا جديدك المميز

دار

شهر شعبان وتقارير العباد – الشيخ حسان أحمد العمارى 2024.

شهر شعبان وتقارير العباد – الشيخ حسان أحمد العمارى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضَّالون، ولحكمه خضع العباد أجمعون، لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون، لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب.

بقدرته تهبُّ الرياحُ ويسير الْغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالِي والأيَّام، أحمدُهُ على جليلِ الصفاتِ وجميل الإِنعام، وأشكرُه شكرَ منْ طلب المزيدَ وَرَام، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله الَّذِي لا تحيطُ به العقولُ والأوهام، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه أفضَلُ الأنام، صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ السابق إلى الإِسلام، وعلى عمَرَ الَّذِي إذا رآه الشيطانُ هَام، وعلى عثمانَ الَّذِي جهَّزَ بمالِه جيشَ العُسْرةِ وأقام، وعلى عليٍّ الْبَحْرِ الخِضَمِّ والأسَدِ الضِّرْغَام، وعلى سائر آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإِحسانٍ على الدوام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

عباد الله: لقد جعلالله حياة الإنسان في هذا الكون تسير وفق نظام دقيق في جميع جوانبها، فالإنسان لم يخلق سدى ولم يترك عبثًا؛ قال تعالى:(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115، 116].

ولذلك فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وأقام الحجة، وبيّن طريق الخير والفلاح، وحذّر من طريق الضلال والانحراف، وجعل لهذه الحياة نهاية ليكون بعدها الثواب والجزاء والحساب والعقاب والجنة والنار؛ قال تعالى: (وَاتّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

وخلال مسيرة حياتنا هناك أعمال وتكاليف ربانية يجب على الفرد والمجتمع والأمة القيام بها، وهي تحصى علينا وتسجل في كتاب؛ قال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49].

  • فكل شيء مسجل ومحسوب ويتم توثيقه في سجل لا يغير ولا يبدل ولا يزور؛ قال تعالى: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة:6]، وقال تعالى:(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء: 13-14].

وقد وكل الله بكل إنسان ملكين من ملائكته؛ أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات؛ قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10-12]، وهناك غيرهم يتعاقبون علينا بالليل والنهار ليرفعوا تقارير للملك الجبار سبحانه عن أعمالنا صغيرها وكبيرها؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر, ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟! فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون". متفق عليه.

قال النووي: "ومعنى "يتعاقبون": تأتي طائفة بعد طائفة, وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين، وتكرمه لهم بأن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم, فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير"..

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات، فقال: "إن الله -عز وجل- لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِض القسط ويَرْفَعه، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعملُ النهار قبل الليل…". رواه مسلم.

قال المناوي: "معناه يُرفَع إليه عملُ النهار في أول الليل الذي بعده، وعملُ الليل في أول النهار الذي بعده؛ فإن الحَفَظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار، ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل".
فيض القدير شرح الجامع الصغير (2/276).

حتى يوم الجمعة تشهده الملائكة ليكتبوا ويسجلوا الذين يحضرون المساجد للصلاة، بل يسجّلون متى حضر فلان؟!
ومتى حضر فلان؟!
وهناك من لا ينال هذا الشرف بتقصيره وتساهله، وانظروا عندما ترفع حافظة دوام حضور وانصراف الموظفين فيكتب كل واحد مجتهد وحريص على عمله لينال كلمة شكر أو ثناء من مديره، فكيف بمن يثني عليه الله -سبحانه وتعالى-!!

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ثم كالذي يهدي بقرة ثم كبشًا ثم دجاجة ثم بيضة، فإذا خرج الإمام -أي صعد المنبر ليخطب- طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر". البخاري 887.

أيها المؤمنون عباد الله: وترفع الأعمال إلى الله كل يوم اثنين وخميس من كل أسبوع؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرءًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا -أي: أخروا- هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". مسلم.

وهذا بمثابة التقرير الأسبوعي عنك يا ابن آدم، فأين العمل وأين الحياء من الله؟! وأين المسابقة والمنافسة على الأعمال الصالحة؟! وصدق الله إذ يقول: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].

وأما التقرير السنوي الختامي لأعمالك فإنه يرفع في هذا الشهر -شهر شعبان- الذي غفل الناس عن فضائله ومنحه وجوائزه الربانية، فقد شرع فيه جميع أعمال البر من الصدقة وقراءة القرآن والذكر والصيام، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم أكثر أيامه، وعندما سئل عن ذلك أخبر -عليه الصلاة والسلام- أنه شهر ترفع فيع الأعمال؛ عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "شعبان بين رجب وشهر رمضان، تغفل الناس عنه، تُرْفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم". صحيح الجامع:3711.

فانظر وتأمل وفكر، كيف سترفع أعمالك؟!
وهل هي أعمال ترفع الدرجات؟!

أم أنها أعمال تستحي أن تعرضها على إنسان مثلك، فكيف برب الأرض والسماوات الذي خلقك ورزقك وأسبغ عليك نعمه الظاهرة والباطنة؟!
هل هذا التقرير يؤهلك للنجاح والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة؟!
أم أنها أعمال ظلمت فيها وقصّرت في العبادات وارتكبت المحرمات وسفكت الدماء وناصرت الظلمة وأخذت حقوق العباد دون وجه حق، وكذبت وزوت وشهدت شهادة الزور وعققت والديك وقطعت رحمك… فإذا كنت كذلك فجدد العزم والتوبة النصوح، واستغل أيامك في طاعته سبحانه قبل أن تنزل بك السكرات، ويفاجئك الموت، وتنقطع الأسباب.

وها نحن في شهر شعبان، انطلق منه لحياة جديدة وعام جديد، وهو شهر يستعد فيه العباد لاستقبال شهر رمضان بتهيئة النفوس بالطاعات والعبادات؛ قال سلمة بن كهيل: "كان يقال: شهر شعبان شهر القرّاء". وقال أبو بكر البلخي: "شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع"، وقال أيضًا: "مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!".

اللهم استعملنا في طاعتك، ووفقنا لعبادتك.

قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

عباد الله: في هذا الشهر ليلة عظيمة ينظر الحق -سبحانه وتعالى- إلى عباده، فيمُنّ عليهم بالغفران وتتنزل عليهم الرحمات، روى أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن". رواه ابن ماجه وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144.

فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا من لم يحمل صفتين: الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة -وهي الشرك-، وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم!! طواف حول القبور، وزيارة السحرة والمشعوذين، ولبس الطلاسم والحرزيات، والاعتقاد أن فلانًا من الناس يضر أو ينفع بقدرته، وهنالك من يدعو الأولياء ويطلب منهم قضاء الحوائج، وهناك الشرك الخفي -وهو الرياء في الأعمال والأقوال-، فمن كانت فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة.

وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين، بين الآباء والأبناء، وبين الجيران والإخوان، وبين الأصحاب والأصدقاء، وبين القبائل والأحزاب والجماعات، فلماذا لا يعفو بعضنا عن بعض؟!
ويسامح بعضنا بعضًا؟!
ويتنازل بعضنا لبعض؟!

ولنحذر من فساد ذات البين؛ عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟!"، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين". صحيح الألباني، غاية المرام 414.

ولنكن ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].

والعفو خير ما ينفقه الإنسان ويتقرب به العباد؛ يقول تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219].
ومن أراد أن يعفو الله عنه فليعفُ عن خلقه، فكم من خصومات بين الناس والأهل والجيران والإخوة!!
وكم من قلوب ممتلئة على بعضها البعض بالحقد والغل والبغضاء والحسد!!

فلماذا لا يسامح بعضنا بعضًا؟!
فهل من عفو يبني به المؤمن عزًا ويرفع به قدرًا لنفسه في الدنيا والآخرة ويحفظ به سلامة مجتمعة وأمنه وازدهاره؟!

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". رواه مسلم.

لقد جاءتِ الآيات متضَافِرةً في ذكرِ الصفح والجمعِ بينه وبين العفو كما في قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ) [المائدة:13]، وقوله: ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) [البقرة:109]، وقوله سبحانه: (وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:22].

ولنحذر من البدع التي ترتكب في ليلة النصف من شهر شعبان، مثل تخصيص ليلها بالقيام ونهارها بالصيام، فلا يجوز ذلك إلا لمن كان متعودًا على القيام باقي الأيام، أو كان محافظًا على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام البيض، وليس هناك صلوات أو ركعات في هذه الليلة، ويكفي في هذه الليلة وقبلها أن تأتي بما افترض الله عليك من الطاعات والعبادات، وأن تبتعد عن الشرك بكل صوره، وأن لا تحمل في قلبك لإخوانك المسلمين حقدًا أو غشًا أو غلًا أو حسدًا.

فهل نستفيد من هذا الشهر ونستغل أوقاته بتصفية العقيدة والتوحيد الخالص لله!!

ولنحافظ على العبادات ولنتزود من الطاعات، فرب معصية أورثت ذلاً، ورب طاعة بنت عزًا ورفعت قدرًا، ولنحذر من الشحناء والبغضاء، ولنصفِّ قلوبنا من الحقد والحسد، وليعفُ بعضنا عن بعض، ولنتراحم فيما بيننا.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

وقد أمركم ربكم فقال قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته جزاكي الله كل خير غاليتي

دار

اتباع الهوى صوره – خطره – علاجه – الشيخ أسامة خياط 2024.

اتباع الهوى صوره – خطره – علاجه – الشيخ أسامة خياط

دار


أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، فإن التقوى خير زاد يصحب المسلم في رحلته إلى الله والدار الآخرة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أيها المسلمون، إن مجانبة الضلال والسلامة من الغواية والنأي عن فساد العمل منتهى أمل المسلم، وغاية أمله وذروة مقصده، لذا ليس عجباً أن ينبعث له حس مرهف وشعور يقظ، وفكر حي يحمله على تمام الحذر من كل ما يحول بينه وبين سلوك سبيل الاستقامة، فإن الحوائل كثيرة، وإن العوائق عديدة، غير أن من أظهر هذه الحوائل وأقوى هذه العوائق أثراً وأشدها خطراً اتباع الهوى, على معنى أن يكون دليل المرء وقائده ومرشده ما تميل إليه نفسه, ويهواه قلبه, ويلتذ به حسه لا ما يأمره به وينهاه عنه الله ورسوله.


ولما كان المسلم مأموراً بأن يجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، كما قال سبحانه مخاطباً أشرف خلقه وخاتم أنبيائه صلوات الله وسلامه عليه: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162، 163]؛ كان اتباع الهوى عاملاً خطيراً في النأي بحياة المسلم عن هذا الأصل العظيم من أصول السعادة وأسباب النجاة، ولذا حذّر سبحانه في حشد من آيات كتابه العزيز من اتباع الهوى مقروناً بجملة من الصفات المقبوحة والأحوال المرذولة التي تعد مع ذلك من الأسباب الباعثة عليه والمفضية إليه.


فمن ذلك عدم العلم بالله وآياته وشرعه، ومنه القول على الله بغير علم، كمن يتصدى للفتوى دون أن تجتمع فيه شروطها وآدابها، فيكون من نتيجة ذلك أن يفتي الناس بما تهوى الأنفس, لا بمقتضى الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيورد نفسه بذلك ويورد غيره موارد الهلاك, ويكون وبالاً على الأمة وسبباً في الانحراف عن الحق كما قال سبحانه: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام:119].


ومن ذلك الغفلة عن ذكر الله والإعراض عن شرعه, فإنها تحمل المسلم على ترك ما أمر به, ونهي عنه, والانصراف إلى شهوات النفس ولذات الحس وجعلها منتهى همّه, وغاية مقصده، فلاحظ في نفسه لغيرها، بل يكون حاله مشابهاً لحال الدواب والعجماوات.


ويزداد عظم الخطر عندما ينصرف المرء عن شريعة ربه بالكلية مصماً أذنيه عن البينات والهدى فتتشعّث عليه أموره, ويشيع الاضطراب في حياته، ولذا حذر سبحانه المؤمنين من هذه العاقبة فقال سبحانه: (وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28].


ومنها الإخلاد إلى الأرض، والركون إلى الدنيا والعمل لها والرضا بها، حتى تكون أكبر همه ومبلغ علمه, لها يعمل, وإليها يقصد, ولأجلها يناضل، وفيها يوالي ويعادي، حتى يقعد به ذلك عن سمو الهدف ورفعة الغاية وشرف المقام الذي ينشده ألو الألباب بعملهم لله والدار الآخرة، فتكون عاقبة أمره خسراً وندامة لا تنتهي, وحسرة لا تنقطع, كما قال سبحانه: (وَأتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءاتَيْنَـاهُ ءايَـاتِنَا فَنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَـانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـاهُ بِهَا وَلاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ) [الأعراف:175، 176].


ومنها الظلم، والظلم يا عباد الله، تتسع أبعاده وتتنوع دروبه، فلا يقتصر على ظلم الإنسان نفسه بالمعاصي حتى يوردها موارد الهلاك، بل يتجاوز ذلك إلى ظلم غيره بألوان كثيرة تندرج كلها تحت مفهوم التعدي عليهم في الأنفس أو الأموال أو الأعراض فيورثه ذلك من ظلمات يوم القيامة ما لا منجى له منها كما قال سبحانه: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الروم:29].


ومنها تزيين سوء العمل في نفس صاحبه، فإن المرء إذا زين له سوء عمله انعكست لديه الموازين, فأصبح يرى الحق باطلاً، والباطل حقاً، والحسد قبيحاً، والقبيح حسناً، وإنها لمحنة يا لها من محنة، كما قال سبحانه: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ) [محمد:14].


ومنها الظن، الذي لا يغني من الحق شيئاً، كما قال سبحانه: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيْئاً) [النجم:28]، وكما قال سبحانه: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ الْهُدَى) [النجم:23].


ثم إن لاتباع الهوى في دنيا الواقع صوراً كثيرة لا يحدها حد, ولا يستوعبها حصر، غير أن من أعظمها خطراً، وأشدها ضرراً، ما يكون من اتباع الهوى في ميدان الحكم بين الناس، والفصل بينهم في الدماء والأموال والأعراض، ولذا أمر سبحانه نبيه داود عليه السلام بالحكم بين الناس بالحق, ونهاه عن اتباع الهوى لأن عاقبة ذلك الضلال عن سبيل الله, فقال تعالى: (يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـاكَ خَلِيفَةً فِى الأرْضِ فَحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِلْحَقّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [الآية ص:26].


وكذلك أمر سبحانه نبيه وأشرف خلقه وأعلمهم بربه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، وحذره من اتباع الأهواء فقال تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ النَّاسِ لَفَـاسِقُونَ) [المائدة:49].


وبين له أن مآل اتباع أهواء الضالين مفضٍ به وهو رسول رب العالمين إلى الضلال والخيبة والخسران, فقال سبحانه: (قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [الأنعام:56].


ولا ريب يا عباد الله، أن هذا كله توجيه للأمة من بعده, وتحذير لها, وهدى وذكرى لأولي الألباب.


ومن صور اتباع الهوى أيضاً اعتداد المرء بنفسه وذهابه بها مذاهب العجب والغرور حتى يشمخ بأنفه, ويستعلي على غيره, ويأنف من قبول الحق ومن الإذعان للنصح متبعاً هواه، مضرباً عن كل ما سواه من البينات والهدى.


ومنه الحكم على الآخر وفقاً لما يمليه عليه هواه ولما يستقر في نفسه من آراء، فإذا بذلك يحمله على ترك العدل، والمسلم مأمور بالعدل مطلقاً، حيث قال سبحانه: (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْولِدَيْنِ وَلاْقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء:135].


ومن صور ذلك أيضاً أن تكون للرجل زوجات فلا يقم بمقتضى العدل بينهن, بل يتبع هواه فيحمله ذلك على الميل إلى إحداهن كل الميل، ويذر ما سواها كالمعلقة، بل إن الأمر ليتمادى به إلى تعامله مع أبنائه أيضاً, فإذا هو ميّال إلى بعضهم دون بعض، يرفعه ويهب له ويجعله محضياً بكل ألوان الرعاية والعناية، ويدع غيره من أبنائه مبعداً محروماً منسياً.


ومن صور ذلك أيضاً أن يتبع المعلم هواه فلا يقوم بما يجب عليه من العدل بين طلابه بجعل المفاضلة بينهم قائمة على أسس من الجد والاجتهاد ورعاية حق العلم, بل يميل إلى طائفة أو فرد منهم مقدماً من حقه التأخير, أو مؤخراً من حقه التقديم، اتباعاً للهوى وإعراضاً عن الحق.


وكم لاتباع الهوى في دنيا الواقع من صور, وكم لها من أضرار وآثار لا تقع تحت العد, ولا يستوعبها المجال، وحاصل ذلك أن اتباع الهوى والانقياد له مفض إلى الانحراف عن الصراط المستقيم, والحيدة عن طريق الله القويم, وإلى خسران الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.


وعلاج ذلك ـ يا عباد الله ـ أن يجعل المرء هواه تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن لا يقدم على أمر الله ورسوله شيئاً مهما عظم شأنه وعلا قدره, وأن يحتكم في كل دقيق وجليل من أمور حياته إلى حكم الله, ويرضى به ويسلم, فتكون عاقبة ذلك أن يرضى ويغضب لله, وأن يحب ويبغض في الله، وأن يعطي ويمنع لله.
فاعملوا ـ رحمكم الله ـ على مجانبة اتباع الهوى, وانأوا بأنفسكم عن سلوك كل سبيل يفضي إليه تكونوا من المفلحين, وصدق الله إذ يقول: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَـاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23].


نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ولي المتقين, أحمده سبحانه يعز الطائعين ويذل العاصين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله, شفيع المؤمنين وقائد الغر المحجلين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعد:

فيا عباد الله، إن اتباع ما أنزل الله من البينات والهدى والعمل به والتسليم له عاصم للمرء من اتباع الأهواء وحافظ له من التردي في وهدتها, مورثه إياه سعادة جعلها الله خالصة لمن اتبع شريعته واهتدى بهديه, وأعرض عن كل ما سوى ذلك، كما قال سبحانه مخاطباً عبده ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم آمراً إياه باتباع شريعته، محذراً له من اتباع الأهواء قال سبحانه: (ثُمَّ جَعَلْنَـاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مّنَ الأَمْرِ فَتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّـالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَللَّهُ وَلِىُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية:18، 19].

فهذا ـ يا عباد الله ـ هو الطريق المستقيم الموصل إلى رضوان الله والظفر بجناته، فالزموه واستمسكوا به ـ رحمكم الله ـ وحذار من اتباع الهوى فإنه الداء كل الداء.




دار


دار
جزاك المولى خير الجزاء
يعطيك العافية وبارك الله فيك
ع اختيارك للموضوع الرائع والمهم ..جعله الله في ميزان حسناتك
دآئمآً مميزه بآختياراتك .. تسلم دياتك يالغاليه
دمتي بحفظهـ

دار

أثر الإيمان والتقوى في حب الله وحب الناس 2024.

أثر الإيمان والتقوى في حب الله وحب الناس

دار

الحمد لله الذي أعز أولياءه المؤمنين المتقين وجعل لهم في قلوب الخلائق وداً، أحمده -سبحانه- القاهر فوق عباده والأعز جنداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولم يتخذ صاحبةً ولا ولدا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله.. دعا إلى الله بإذنه وإلى صراطه المستقيم هدى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا نرجو ثوابهما عند الله غداً.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واعبدوه واشكروا له؛ واذكروا أنكم ملاقوه فأعدوا لهذا اللقاء عدته وخذوا له أهبته، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغَرور.


أيها المسلمون: إن آثار الإيمان الصادق بالله -تعالى- وآثار العمل الصالح الذي يبتغي به وجهه ويقتدى فيه بنبيه -صلوات الله وسلامه عليه- تربو على العد وتجل عن الحصر.. وإنها آثارٌ لا تغمض عنها أجفان أولي الألباب ولا تغيب عن مدارك أولي النهى ولا تعزب عن نظر وتفكر أولي الأبصار وإن من حلو ثمار الإيمان ما يغرسه الله لأهله في قلوب خلقه من محبة لا يملكون ردها ومودة لا يستطيعون إلا الإقرار بها والخضوع لسلطانها أوضح ذلك سبحانه في محكم كتابه بقوله عز اسمه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) [مريم: 69].


وإن أعظم ما في هذا الود -ياعباد الله- أنه آيةٌ بينةٌ ودليلٌ ظاهرٌ على حب الله -تعالى- كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما واللفظ لمسلم -رحمه الله-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل -عليه السلام- فقال: إني أحب فلان فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض ".. الحديث..


فلا ترى في الناس إلا محبًّا له مثنيًا عليه رؤوفًا رحيمًا به.. عبَّر عن هذا أبلغ تعبير التابعي الجليل زيد بن أسلم -رحمه الله- بقوله: " من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ": يريد أن الناس لا يملكون إلا أن يحبوه، ولو أرادوا استشعار البغض له ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.. فانظر إلى الإيمان والتقوى كيف أعقبا صحابهما في قلوب الناس حبًّا لم يعمل له ولم يسعَ إليه ولم يخطر له على بال، ولا عجب في ذلك.. فقد بلغ الإيمان والتقوى بأهلهما مرتبة الولاية فاستحقوا صفة أولياء الله الذين بشرهم ربهم بأنهم لا يخافون ما يستقبلون من أهوال يوم القيامة، ولا يحزنون على ما تركوا من خلفهم في الحياة الدنيا: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [يونس: 62- 63].


ولم يقتصر الأمر على هذا، بل إنهم بلغوا بحب الله لهم وكريم مقامهم عنده أن جعل من ناصبهم العداء بمنزلة من حاربه -سبحانه- كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: " قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب.. ".. الحديث.. ومعناه: أي أعمل به ما يعمله العدو المحارب، وآذنته: أي أعلمته.. والمراد أنه تعرض لإهلاك الله إياه، وفي هذا -كما قال أهل العلم بالحديث- تهديدٌ شديد؛ لأن من حاربه الله أهلكه..


وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة أيضاً؛ فمن والى أولياء الله أكرمه الله ورضي عنه وهداه واجتباه، وإن من أعظم من تجب موالاته والحذر الشديد من معاداته صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين رضي الله عنهم وأفاض -سبحانه- في الثناء عليهم في محكم كتابه فقال – عز من قائل -: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100].. وقال – عز وجل- (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا… ) [الفتح: 29].. الآية.. وقال -سبحانه-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18].


ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سب أحدٍ منهم، وبيَّن أنه لا يبلغ أحدٌ مبلغهم في الجلالة والفضل ولو أنفق ما أنفق من مال، فقال -عليه الصلاة والسلام-: " لا تَسُبُّوا أحدًا من أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه ".. أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.


وبين -صلى الله عليه وسلم- أن حب الأنصار من علامات الإيمان الصادق وأن بغضهم من علامات النفاق؛ ففي صحيح البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار "..


وأخرج الشيخان في صحيحيهما عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-: أنه قال: " سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق؛ فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله ".


ولذا كانت محبة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أصول معتقد أهل السنة والجماعة التي لا خلاف بينهم فيها.. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- معبراً عن ذلك: " ونحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نفرط في حب أحدٍ منهم ولا نتبرأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دينٌ وإيمانٌ وإحسان، وبغضهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيان ".. انتهى كلامه -رحمه الله-.


وإنما كان حبهم -ياعباد الله- دينًا وإيمانًا وإحسانًا لأنه امتثالٌ لأمر الله وطاعةٌ له وتقديمٌ لأمره ونهيه -سبحانه- على كل ما سواهما؛ ولأنهم نصروا دين الله وجاهدوا مع رسوله – صلى لله عليه وسلم- وبذلوا في ذلك الدماء والأموال والأرواح، وما أحسن موقف المسلم الصادق من موقف هؤلاء الأسلاف العظام.. ذلك الموقف الذي صوره القرآن أبلغ تصويرٍ في قول ربنا -تقدست أسماؤه-: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].


نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه.


أما بعد:


فياعباد الله: جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قوله: " من كان منكم مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات؛ فإن الحي لا تُؤمَن عليه الفتنة.. أولئك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا أفضل هذه الأمة وأبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفاً.. قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه؛ فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ".. فانظروا -يا عباد الله- إلى قوله -رضي الله عنه-: " قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه " ، أفيختار الله لصحبة نبيه غير أفضل الأمة وأعظمها وأبرها وأتقاها له -سبحانه-؟


وجاء عنه -رضي الله عنه- قوله أيضا: " إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد؛ فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه ".. انتهى.


فاتقوا الله -عباد الله-، وحاذر من معادة المؤمنين المتقين حذارًا من ذلك، وفي الطليعة منهم صحابة خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين.. وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله؛ فقد أُمِرتُم بذلك في كتاب الله حيث قال -سبحانه- قولاً كريماً: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الآل والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك ياأكرم الأكرمين.


اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم اعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، ووحد كلمتهم على الحق يارب العالمين.


اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وهيئ له البطانة الصالحة، ووفقه لما تحبه وترضى ياسميع الدعاء، اللهم وفقه وولي عهده وإخوانهم إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد يامن إليه المرجع يوم التناد.


اللهم احفظ هذه البلاد حائزةً على كل خير سالمةً من كل شر وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر، اللهم أحسن لنا عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.


اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.. اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا.


ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.


الشيخ – أسامة بن عبدالله خياط

دار


دار
جزاك المولى خير الجزاء
يعطيك العافية وبارك الله فيك
ع اختيارك للموضوع الرائع والمهم ..جعله الله في ميزان حسناتك
دآئمآً مميزه بآختياراتك .. تسلم دياتك يالغاليه
دمتي بحفظهـ

دار

أختي في الله

اسأل الله العظيم رب العرش الكريم

أن يعطيك أكثر من أمانيك ويحفظ عليك دينك وعافيتك
ويديم عليكِ نعمه وستره وواسع رحمته وفضله
وأن ينظر اليك نظرة رضى لا يعقبها سخط أبدا
وأن يلبسك ثوب العافية لا ينزعه عنك ابدا
وأن يرزقك رزق حلالاً لا ينقطع عنك أبدا
وجميع المسلمين ..
اللهم آمين

محاضرة / الفتن بعض صـــورها و طرق الـــوقاية منها لفضيلة الشيخ / أبي عبد الله أحمد بن محمد الشحي حفظه الله 2024.

دار

دار
أقدم لكن إخواتـــــي الغاليات

محــــــــاضرة لفضيلة الشيخ / أبي عبد الله أحمد بن محمد الشحي
حفظه الله و سدد خطاه و نفع الله بعلمه الإسلام و المسلمين .
دار
والمحاضرة بعنوان

(( الفتن بعض صـــورها و طرق الـــوقاية منها ))

http://up.noor-alyaqeen.com/sounds/a…ehhi/alftn.mp3

أسأل الله أن ينفع بها ….

دار

جزاك الله خير الجزاء
اسال الله ان يجعله في موازين حسناتك
لاحرمتِ المثوبة

دار

بارك الله فيكِ دار
وجزاكِ الله خيراً
وجنبنا الله وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن
تسلم الأيادي على هذا الأنتقاء المميز
داردمتي كما تحبين

أعاذنا الله من الفتن ظاهرها وباطنها

جزاكِ الله خيرا غاليتي

أقول لمن كانت معي هنا دار
أختي الحبيبة
تشكرين ياقلبي على الإطلالة الحلوة
الأروع تواجدك ودعمك وتشجيعك الجميل الذي أسعدني..
شكري وتقديري لك ياغالية..
وفقك الله ورفع قدرك وأسعدك بالدنيا والآخرة دار

الاعتبار بتعاقب الزمان للشيخ عبد الرحمن السديس 2024.

الاعتبار بتعاقب الزمان للشيخ عبد الرحمن السديس
الاعتبار بتعاقب الزمان للشيخ عبد الرحمن السديس

دار

الاعتبار بتعاقب الزمان للشيخ عبد الرحمن السديس


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعل في تعاقب الليل والنهار عبرة لأولي الأبصار، أحمده – تعالى -على نعمه الغزار، وأشكره على فضله المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه الأخيار، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعــد:
فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فإنها الذخيرة التي تنفع صاحبها، والتجارة التي تربح طالبها، وهي حلة العز والكرامة، ولباس السعادة والنصر والسيادة.

إخوة الإسلام: إن الله – جل وعلا – بقدرته الباهرة وحكمته البالغة خلق الخلق في هذه الحياة، واستعمرهم في هذه الأرض، وقد أخبر عن سر هذا الخلق وحكمته، بقوله – سبحانه -:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
[الذاريات: 56]
فالإنسان في هذه الحياة الفانية، لم يخلق عبثاً، ولم يترك سداً، ولا يدري متى يأتيه الأجل؛ فلا ينفعه حين ذاك إلا صالح العمل، فجدير بالكيس الفطن الذي عرف حكمة خلق الله له في هذا الكون، أن يتزود من الأعمال الصالحة، ويستعد لما بعد الموت، ويأخذ العبرة من مرور الليالي والأيام، وتصرم الشهور والأعوام، على فناء هذا العالم، وسرعة زوال هذه الدار، وقصر مدتها، فيحفِّزه ذلك إلى العمل الذي يقربه لمولاه، ويحذِّره من الاغترار بدنياه، فيخسر دنياه وآخرته( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر: 5].

أمة الإسلام! تودع الأمة الإسلامية بل يودع العالم بأسره هذه الأيام، عاماً هجرياً كاملاً، مضى بأحداثه ووقائعه، وخيره وشره، مضى من أعمار بني آدم ولن يعود إلى يوم القيامة، ذهب كما ذهب غيره، وتلك سُنَّة الله – عز وجل – في كونه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، فالليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، مع حركات الأفلاك الدائرة، والآيات السائرة، والعبد يعيش في هذا الميدان الذي أعد للسباق الطويل، الذي لا يتقدم فيه إلا من عرف ربه، وذكر حقه، وشكر نعمه، ومن يجعل من فواصل السنين تواصل دأبٍ وعملٍ ونصب؛ لإحراز الراحة الكبرى:
(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 6].

ومن يذهل عن هذه المعاني السامية، ويهيم وراء منافعه العاجلة، ولذاته الفانية فلا يعتبر ولا يتعظ بمرور الأيام والأعوام، فتلك أمارة الخسران، وعلامة الحرمان، عياذاً بالله.

وقد كان السلف الصالح – رحمهم الله -، يجعلون من مرور الأيام والسنين، مدكراً ومزدجراً، فكانوا يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس، وقال بعضهم: كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟!

كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته؟

وقال أبو الدرداء – رضي الله عنه -: [إنما أنت أيام كلَّما مضى منك يومٌ مضى بعضك]، ومن أقوال الحسن – رحمه الله -: [ما من يومٍ ينشق فجره، إلا نادى منادٍ من قبل الحق: يا بن آدم! أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود فيّ بعملٍ صالح؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة].

اتقوا الله – عباد الله – واعلموا أن الليل والنهار مطيتان، فأحكموا السير عليهما إلى الآخرة، واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة، ولا يغترنَّ أحدكم بحلم الله – عز وجل -، والأيام خزائن الأعمال، والعبد بين مخافتين: بين آجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ فيه، وبين عاجلٍ قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه، وإنه لمن فضل الله ودلائل توفيقه للعبد أن يلهمه استغلال كل ساعة من عمره في العمل الصالح، ويوفقه لأخذ الدروس والعبر والبصائر من تصرم الشهور والأعوام، وفقد الأهل والإخوان.

فكم ودعنا في هذا العام من أخٍ أو خليل أو قريب!
وكم نقل إلى المقابر من عزيزٍ أو محبٍ أو نسيبٍ!

وأحدنا لا يدري هل يتم هذا العام الجديد، أو لا يدركه، فالموت الذي تخطانا إليهم سيتخطى غيرنا إلينا، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

أيها المسلمون: لابد من وقفة صادقة مع مرور هذا العام، واستقبال العام الجديد، لا بد من وقفة حازمة مع النفوس؛ لمحاسبتها ماذا قدمت لغدها، ماذا قدمت لدينها وعقيدتها ومجتمعها المسلم، هل حملت راية العقيدة، ورسالة الإسلام، وعملت بها ودعت إليها وجاهدت في سبيلها؟

وهل ستظل أحوال المسلمين كما هي عليه في السنوات الماضية؛ ضعفٌ في الإيمان، وقسوة في القلوب، وتفرق في الكلمة، واختلال في الصف، ونزاعٌ بين الإخوة، وأحقاد وأطماع، لا يستقيد منها إلا أعداء الإسلام، الذين لا يزيدهم مرور الأعوام إلا قوة وفتوة؟!

إننا مع كل هذا، لنتفاءل كثيراً بدخول هذا العام، ومستقبل الأعوام فالنصر للإسلام وأهله، وذلك وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، وأملنا في الله كبير، أن يكون هذا العام عام خيرٍ وعزة وتضامن للمسلمين، بعد أن أصبح تضامنهم ضد أعدائهم مطلباً ضرورياً، وأمراً حتمياً، وعام استقامة وصلاح، لشئون المسلمين وأحوالهم، ويقضة رشيدة، لقادتهم وعلمائهم، وشبابهم ونسائهم، الله حسبنا ونعم الوكيل، وهو مولانا، فنعم المولى ونعم النصير.

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائك، واجعل مستقبل أيامنا خيراً من ماضيها، وقابل أعوامنا خيراً من سالفها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله الذي حكم بزوال هذه الدار، وأمر بأخذ العدة لدار القرار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المختار، صَلَّى اللهُ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الأبرار.

أما بعــد:
فاتقوا الله – يا عباد الله – واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، وحاسبوا أنفسكم عند وداع عامكم، وتوبوا إلى ربكم توبة نصوحاً، ومن كان منكم أحسن فيما مضى من أيامه، فليحمد الله على ذلك، ويستمر عليه إلى الممات، ومن كان مفرطاً في شيءٍ من الواجبات، أو مرتكباً لشيء من المحرمات فليتب إلى ربه، ويندم على فعله، ويقلع عن معصيته، ويعزم على ألا يعود إليها في مستقبل أيامه وأعوامه.

ألا فصلوا وسلموا على من ربه حتى أتاه اليقين نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وأشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين.

اللهم آمنا في ديننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم هداة مهتدين يا رب العالمين!
اللهم وفق المسلمين لما تحب وترضى، اللهم وفقهم للتمسك بدينك القويم، واتباع سنة نبيك – صلى الله عليه وسلم -.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.

اللهم اجعل عامنا الجديد عام نصرٍ وعزة للمسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، وعام ذلٍ وهوانٍ وخذلانٍ لأعدائك أعداء الدين، يا رب العالمين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أعلى وأعز وأجل وأكبر، والله يعلم ما تصنعون.

دار

دار

~||طرح جميل ومميز
سلمت يمناكِ ع الانتقاء والسرد
لاحرمنا الله من عبير تواجدك
دمتِ بسعادهـ بحجم السمآء
لقلبكِ طوق من الياسمين||~

بوركتى أختى الفاضلة ….عبير
لهذا الطرح الطيب المبارك جعله ربي في موازين حسناتك ونفعنا واياكم والمسلمون به ..
في إنتظار المزيد من موضوعاتك القيمة.


دار

أخيتي الغاليه
نوّر الله قلبكِ بالإيمان
وثبتّكِ الله على الطاعات
ورزقكِ الله سعادة الدارين
كنتِ ولا تزالين تنثرين عبق وأريج تلك المواضيع الفواحه
بالموعظه والتذكره الحسنه
ربي يبارك بعلمك وعملكِ
ويثيبكِ الجنه ونعيمها
حيّاكِ الله عزيزتي

تسسلم يمينك على رووعه طرحك~
الله يعطيك الف عاآآآآآآفيه …
ولاتحرمنا من جديدك وفيض ابداعاااك ..
دمت بخير..~