إن الحمدلله ، نحمده تعالى و نستعينه و نستغفره،و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا..من يهده الله فلا مضل له،و من يضلل فلا هادى له،و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله..
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"
اما بعد..أحبابى فى الله..
قال الله تعالى مثنياً على حبيبه و صفيه و أشرف خلقه محمد صلى الله عليه و سلم"وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" القلم4
و عن عبد الله بن عمرو بن العاص_رضى الله تعالى عنهما_قال:لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم فاحشاً و لا متفحشاً،و كان يقول :"إن من خياركم أحسنكم أخلاقا". رواه البخارى و مسلم.
و عن النواس بن سمعان_رضى الله تعالى عنه_ عن النبى صلى الله عليه و سلم قال :
" البر حسن الخلق و الإثم ما حاك فى صدرك و كرهت أن يطَّلع عليه الناس."
رواه مسلم.
و عن أبى قلابة عن عائشة_رضى الله عنها_ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا و ألطفهم بأهله."
رواه الترمذى، و قال حديث حسن و الحاكم و قال صحيح على شرطهما.
و من صفات و مكارم الأخلاق التى وصانا بها رسولنا الكريم؛مالا يُعد
و ما فيه نجاتنا و فلاحنا بأبسط الأمور..
و من هذه الصفات..الحـِــلْـــمُ..
و الحِلْمُ بالكسر معناه : الأَناةُ والعقل، وجمعه أَحْلام وحُلُومٌ.
.
4 مرات مقدما و مرتين مؤخرا، و مقترنا تارة مع اسمه تعالى
الغنى مرة واحدة..
،و مع اسمه تعالى العليم 3 مرات، و مع اسمه تعالى الشكور مرة واحدة..
و يقول الغزالى فى المقصد الأسنى(94):
الحليم : هو الذى يشاهد معصية العصاة،و يرى مخالفة أمره ،ثم لا يستفزه الغضب، و لا يعتريه الغيظ ،و لا يحمله على المسارعة إلى الأنتقام مع غاية الاقتدار_كما قال تعالى 🙁 وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ) فاطر 45
و يقول القرطبى فى القول الأسنى(92/1) بتصرف:
الحليم:نطق به التنزيل، فقال ( و اعلموا أن الله غفور حليم) البقرة 235، و يجوز إجراؤه على العبد وصفا منكرا ، قال الله العظيم : (فبشرناه بغلام حليم) الصافات 101.
و هذا الاسم مفهومه ..الصبر على استعجال المجازاة مع الأقتدار عليها لاستدراك العفو ، و لظهور الفضل ، و إنهاء الغدر ، أو لحكمة بالغة.
و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأشج عبد القيس :" إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم و الأناة " اخرجه مسلم.
فالأناة قد تكون مع عدم الحلم،و لكن لا يصح الحلم ابداً إلا مع الأناة ، و الأناة ترك العجلة..
و فى صحيح البخارى من حديث بن عباس رضى الله تعالى عنه قال:( كان النبى صلى الله عليه و سلم يدعو عند الكرب،لا اله الا الله العظيم الحليم ، لا اله الا الله رب السموات و الارض رب العرش العظيم).
و الحليم كذلك فى اللغة صفة مشبهة للموصوف بالحلم،فعله حَلِم يَحلِم حِلما ،و صفة الأناة و معالجة الأمور بصبر و حكمة و علم ،و فى مقابلها العجلة المفسدة لأمور الدين و الدنيا ، و الحليم هو الذى يرغب فى العفو و لا يسارع بالعقوبة.
قال الله تعالى:( إن ابراهيم لاواه حليم ) التوبة 114،و يدخل فى معنى الحِلم بلوغ الصبى الحُلم او مبلغ الرجال الحكماء العقلاء كما قال تعالى 🙁 و إذا بلغ الاطفال منكم الحلم ) النور 59 ، أما قوله تعالى :(فبشرناه بغلام حليم ) الصافات 101،يعنى لديه أناة و بصيرة و حكمة من صغره.
الحليم،هو ذو الصفح و الأناة الذىلا يستفزه غضب ، و لا يستخفه جهل جاهل ،و لا عصيان عاص،و لا يستحقالصافح مع العجز اسم الحليم ، إنما الحليم هو الصفوح مع القدرة ، المتأنى الذى لا يعجل بالعقوبة..
فمن الواجب على من عرف أن ربه حليم على من عصاه بل يتركه فى نِعمه يتقلب و يزيده_ و إن كان يؤخر له العقوبة ان لم يتُب_فالواجب على من عرف ذلك أن يحلم هو على من خالف أمره ، فذاك به أولى ،حتى يكون حليما فينال هذا الوصف بمقدار يكسر غضبه ، و يرفع الانتقام عمن أساء إليه ، بل يتعود الصفح حتى يعود الحِلم له سجية ، و كما تحب أن يحلم عنك مالكك ،فاحلم أنت عمن تملك ، لأنك متعبد بالحلم ، فتاب عليه،قال تعالى :( وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ) الشورى 40.
و قال تعالى 🙁 وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى 43.
و الصبر داخل تحت الحلم،إذ كل حليم صابر ، و قد وصف_عز و جل_ نفسه بالصبر كما فى حديث أبى موسى عن النبى صلى الله عليه و سلم :" ليس أحد أو ليس شئ أصبر على أذى سمعه من الله تعالى ،إنهم ليدعون له ولداً و إنه ليعافيهم و يرزقهم " اخرجه البخارى .
و فى ثواب الحلم و الصفح و كظم الغيظ الكثير من الأيات الكريمة..
قال الله تعالى: ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)آل عمران 134.
و قال تعالى:(وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) الرعد 24/22.
و قال تعالى:(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) الشورى 37.
و قال تعالى:(وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) التغابن 14.
و قال تعالى:(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)فصلت 35/34.
و فى الاحاديث كذلك الكثير..
عن ابن مسعود _رضى الله عنه_ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إنما تَحْرُمُ النار على كل هَيّنٍ لَيّنٍ قريبٍ سهل" رواه الترمذى و حسنه و ابن حبان.
و عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال : " ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " .رواه البخارى و مسلم.
و عن ابن عمر_رضى الله عنهما_قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله" رواه بن ماجه، و رجال إسناده رجال الصحيح.
منها..
ان رجلا شتم ابن عباس رضى الله عنه ،فلما قضى مقالته قال العباس:يا عكرمة،انظر هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه و استحيى.
و جاء غلام لأبى ذر و قد كسر رجل شاة له،فقال له : من كسر رجل هذه ؟ قال : أنا فعلته عمداً لاغيظك ،فتضربنى فتأثم :فقال : لأغيظن من حرضك على غيظى،فأعتقه .
و شتم رجل عدى بن حاتم و هو ساكت،فلما فرغ من مقالته قال : إن كان بقى عندك شئ فقل قبل أن يأتى شباب الحى،فإنهم ان سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا.
و دخل عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة فى الظلمة ،فمر برجل نائم فعثر به ، فرفع رأسه و قال :أمجنون أنت ؟ فقال عمر : لا ، فهم به الحرس ، فقال عمر : مه ، إنما سألنى أمجنون ؟ فقلت : لا .
أُخيتى الحبيبة..
متى رأيت صاحبتك غضبت و أخذت تتكلم بما لا يصح ،فلا ينبغى أن تعقدى على ما تقول..بل اصبرى عليها فإن الشيطان قد غلبها..و الطبع هاج و العقل استتر..
انظرى بعين الرحمة و تصريف القدر ..و اعلمى انها متى افاقت ندمت و عرفت لك فضل الحلم و الاناة..
المراجع..
تقبلي اعجابي ومروري عزيزتي