جنديه مجهوله
* فعلى البسيطة من هذا الكون ثمَّ مخلوقه ضعيفه , تغلب عليها العاطفه الحانيه , والرقه الهاتنه ,
لها من الجهود
والفضائل ما قد يتجاهله ذوو الترف , ممن لهم أعين لا يبصرون بها , ولهم آذان لا يسمعون بها
ولهم قلوب لا يفقهون بها , هي جنديه حيث لاجند , وهي حارسه حيث لا حارس
لها من قوة الجذب وملكة الاستعطاف ما تأخذ به لبَّ الصبي والشرخِ كله
وتملك نياط العاطفه دقّها وجلّها , وتحل منه محل العضو من الجسد
بطنها له وعاء , وثديها له سقاء , وحجرها له حواء
إنه ليملك فبها حق الرحمه والحنان
لكمالها ونضجها ,
وهي أضعف خلق الله إنسانا
إنها مخلوقه تسمى
الأم وما أدراك ما الأم
* أم الأنسان _ عباد الله _ هي أصله وعماده الذي يتكأ عليه , ويرد إليه
( وَاللهُ جَعَلَ لَكُم من أنفُسَكُم أزواجا وجَعَلَ لَكُم من أزواجِكُم بَنينَ وحَفَدة )
(النحل : 72)
وكون الشيئ أصلا وعمادا دليل بارز بجلائه عل المكانه وعلو الشأن وقوة المرجعيه ,
ألا ترون أن أم البشر حواء
وأم القوم رئيسهم , وأم الكتاب الفاتحه , وأم القرى مكه , وفي ثنايا العلوم
كتاب الأم للشافعي رحمه الله
لماذا الحديث عن الأم
من خلال هذه المقدمه الوجيزه عن الأم , ربما يدور في خلد سائل ما سؤال مفاده , أيوجد ثمّ
مشكله تستدعي الحديث عن مخلوقه
ليست هي بدعا من البشر ؟
أم أن الحديث عنها نوع تسليه وقتل للأوقات ؟!
أم أن الأمر ليس هذا ولا ذاك؟
* والجواب الذي لا مراء فيه : أن الأمر ليس هذا ولا ذاك بل الأمر أبعد من هذا , إننا حينما نتحدث
عن الأم فإننا نتحدث على إنها قرينة الأب
لها شأن في المجتمع المكون من بيوتات , والبيوتات المكونه من الأسر والاسر المكونه منها
ومن بعلها وأولادها
هي نصف البشريه ويخرج من بين ترائبها نصف آخر فكأنها بذلك أمة بتمامها
بل هي تلد الأمه الكامله , أضافه الى ما أولاه الأسلام من رعايه لحق الأم , ووضع مكانتها
موضع الاعتبار
فلها مقام في الحضانه , ولها مقام في الرضاع , ولها مقام في النفقه والبرَّ وكذا الأرث
* فالحديث عن الأم إذاً يحتل حيزا كبيرا من تفكير الناس فكان لزاما على كل من يهيئ نفسه
لخوض مثل هذا الطرح
أن يكون فكره مشغولا بها يفرح لاستقامة أمرها , ويأسى لعوجه , ويتضرس جاهدا في الأطروحات
المتسلله لوذا : ليميز الخبيث من الطيب , فلا هو يسمع للمتشائمين القانطين
ولا هو في الوقت نفسه يلهث وراء المتهورين
والمرتكز الجامع في هذه القضيه , والذي سيكون ضحيه التضارب والمأرب هي أمي وأمك
وأم خالد وزيد
وحينئذ يجني الأولاد على أمهاتهم , ويقطعون أصلا وأُساً قرره الرسول صلى الله عليه وسلم
لرجل حين جاء يسأله , من أحق الناس بصحبتي ؟
قال : أمك : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال: أبوك
( خرجاه في الصحيحين)
وسلام الله على نبيه عيسى حين قال: ( وَبَراً بِوَالدتي وَلَم يَجعلِني جَبَاراً شَقِياً)
(مريم :22)
مــــــــاذا يحدث لو غـــــــــاب دور الأم
إن الارتفاع بشأن الأم في أوساط الناس وفق الحدود والمعالم التي حددها الشارع الحكيم لهو
من دواعي رفعة البيت المسلم
كما ان المحاولات الخبيثه في خلخلة وظيفتها التي فطرها الله عليها من حيث هي تشعر أو لا تشعر
سبب ولا شك في فساد الأجتماع , وضياع الأجناس , وانثلام العروه , فأزاحت الام عن نفسها
مسئولية النسل ورعايته , فأصبحت لنفسها لا لرعيتها , ومن ثم قد تُسائل هي نفسها عن
السبب وما السبب إلا ما بينّاه آنفاً
ولعمر الله كم قد تحقر الأم نفسها , أو يغيب عن وعيها مكانتها وسلطانها , ولو رفعت ببصرها
قليلاً في ديوان من دوواين
سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لوجدت قول النبي عليه الصلاة والسلام
( والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده )
(رواه البخاري)
ومعلوم أن الرعايه لا توكل إلا لذي قدره وسلطان على رعيته , ومن هنا عُلِم أن الله يزع بالسلطان
ما لا يزع بالقرآن
* لقد أصبح دور الأم ضعيفا في تربية الأبناء وتوجيههم الوجهة الصحيحه بسبب جهلها
أو غلبة المفاهيم
الدخيله عليها فانحرفت مع التيارات المناوئه لما فطرت عليه , فخرج كثير من الأمهات من بيوتهن
وقل تدينُّهن وقربهُّن من الله فحصل الأهمال وضاع العيال ولربما سلّمت فلذات كبدها
الى أيدي أُناس لا يراعون الله في هؤلاء الفلذات فجائز يكون جهلهم أضعاف
جهل الأم فكانت كالمستجير من الرمضاء بالنار , والمعلوم المقرر
أنه ليس لبشر أمان
أمــــــــــــاه لا تنخــــدعي
لقد أنقاد كثير من الامهات وراء صيحات أهل الكفر فأعجبت ببريق ما عندهم , وظهر النهم
عندهن حتى إنك لتحسه من أحداهن
فتراها كلما تقدمت في السن والإنجاب أزدادت في التشبب ولا تزال تبتدئ من حيث أنتهى
أهل الكفر أنفسهم
إذاَ الأم هناك تعيش تعيسه مُهانه , لا أمل لها في ولد ولا بنت , ولربما لم تشعر بقيمة
الأمومه والبنوه إلا
بكلب تقتنيه او سنُّور يحلُ في قلبها محل أبن آدم
وذلك كله ليس بمانع هذا الحيوان من أن يكون
يوما من الايام وريثها الوحيد دون أولادها , وأولادها في غفلة ساردين , ينتظرون خبر
وفاتها بفارغ الصبر ,
لينعموا بما تخلفه من تركه أو عقار , وأن كانت فقيره الحال ففي دور العجزه والرعايه بالمسنين
متسع لها ولمثيلاتها
أن الذين يزدرون وظيفة ربة البيت التي هي الام هم جُهّال بخطورة هذا المنصب وإثاره العميقه
في حاضر الامم ومستقبلها المشرق , بل إن أعباء هذا المنصب لا تقل مشقه ومكانه عن
أعمال الرجال خارج بيوتهم
وإن القدرات الخاصه التي توجد لدى بعض الأمهات لا تبّرر لهن إلغاء هذا المنصب
الذي لا يليق إلا لهن , ولا يلقن إلا له قال تعالى :
( فِطرَةَ الله التي فَطَرَ الناسَ عليها لا تَبدِيلَ لِخَلقِ الله )
( الروم 20)
أكــــــمل الأمهــــــــــات !!!
* ليس أكمل الأمهات تلك الأم التي أمتلاْت في عقلها بصنوف من العلوم والمعارف النظريه
أو التجريبيه في حين أن القلب خواء
مما ينفع بيتها أو يفيده , إن مثل هذه الأم تحل بما تعلمت مشاكل وتخلق مشاكل أخرى ,
لا ليس نضع الام
كمثل هذا , إنما الأم هي تلك المصونه العفيفه , التي أضاءت قلبها بنور الأيمان والطاعه
والأتباع للكتاب والسنه , والتي هي لبعلها وولدها كالاْلهام والقوه في إدخال السرور ,
والتنقيص من الآلام ,
ولم تكن الأم قط اعظم من الأب إلا بشئ واحد هو خُلُقُها ودينها ,
الذي تجعل به زوجها وولدها خيرا وأعظم منها
وقديما قيل وراء كل رجل عظيم أمرأه فالمرأه _ أيها الناس _ إما زوجه حانيه أو أم مربيه ,
أو هي في طريقها
الى هذا المصير النبييل بعد أن تشبّ عن الطوق
دوركِ يـــــــــا أمـــــــــــــــاه !!!
إن تصور الأم قاعدةٌ في البيت لا شغل لها جهلٌ مُركّب بمعنى الأسره الحيه كما أن تصورها محلاً
لإجادة الطهي والخدمه فحسب
ضربٌ من السلوك المعوج الذي أثبت من خلاله أن الأم العاطله خير من الام الفاسده الخرّاجه الولاّجة
وأن الأمهات المحتسبات في المخادع والبيوت أشرف من اللواتي يتكشّفن لكل عين
ولا يرددْن يد لامس أو نظرة لاحظ
ونحن معاشر المسلمين لا نريد في حياتنا من خلال الواقع المرير أن نوازن بين شرين لنختار
أحدهما أو أخفهما
كلا بل إننا نريد أن نحقق ما طالبنا الإسلام به , من إقامة أسره مستقيمه يشترك الجنسان معا في بنائها
وحمل تبعاتها على ما يرضي الله ورسوله ليتحقق فينا قول البارئ عو وجل
( والّذِينَ ءامنوا واتبَعَتهُم ذُرِيَتُهُم بِإيمان ألحقنا بِهِم ذُرِيَتُهم وَمَا ألتناهُم من عَمَلِهِم من شئ
كُلُ امرئ بما كَسَبَ رَهِين)
( الطور : 21)
*
يقول وكيع بن الجراح : قالت أم سفيان المحدَّث لولدها سفيان : أذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي ,
فإذا كتبت عشره أحاديث
فانظر هل تجد في نفسكِ زيادة فاتبعه وإلا فلتتبعني , هذه هي أم أمير المؤمنين في الحديث
* وقبل ذلك حذيفه بن اليمان تسأله أمه
:
يابني , ما عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : من ثلاثة أيام
فنالت منه وأنبَّته قائله : كيف تصبر يا حذيفه عن رؤية نبيك ثلاثة أيام ؟
*
وذكر بن سعد في طبقاته الكبرى عن إسحاق بن عبد الله
,
عن جدته أم سليم رضي الله عنها
أنها آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فجاء أبو أنس _ وكان غائبا_ فقال :
أصبوت ؟ قالت :
ما صبوت , ولكن آمنت بهذا الرجل , قالت : فجعلت تلقّن أنساً وتشير أليه : قل لا إله إلا الله ,
قل أشهد أن محمدا رسول الله
ففعل , قال : فيقول لها أبوه : لا تفسدي عليّ أبني فتقول : لا أفسده , فلما كبر أتت به
الى النبي صلى الله عليه وسلم
وقالت: هذا أنس غلامك , فقبّله النبي صلى الله عليه وسلم
في الخنساء عبره وعظه
ايتها الأم المسلمه …….. أيها الأب المسلم
* في سير الأسلاف عظةُ وفي مواقفهم خير وعبره والخنساء رضي الله عنها عُرِفت بالبكاء
والنواح وإنشاء المراثي
الشهيره في أخيها المتوفّى إبان جاهليتها وما أن لامس الإيمان قلبها وعرفت مقام الأمومه
ودور الأم في التضحيه والجهاد
في إعلاء البيت المسلم ورفعة مقامه عند الله وعظت أبنائها الأربعه عندما حضرت معركة القادسيه
تقول لهم إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وإنكم لإبنُ أبٍ واحد وأم واحده
ما خبث آباؤكم ولا فضحت أخوالكم فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قُتِلوا
ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو ربي أن يجمعني
بهم في مستقر رحمته
هذه هي هي الخنساء أختي الغاليه فأين جملة رائدات نهضة الأمومه منها ؟
إن جمله منهن _ ولا شك _ أقصر باعاً وأنزل رتبةٌ من أن يفقن مثل هذا المثل ربما كرهت
احداهن ان تكون أُماً
لأربعة ولو تورطت بهم يوماً ما لما أحسنت حضانتهم وتربيتهم
فلم تدرك ما ترجو ولم تنفع نفسها ولا أمتها بشيئ طائل وكفى بالأم إثماً أن تضيَّع من تعول
وفي مثل الخنساء تتجلى صورة الأمومه
على وجهها الصحيح وما ذلك إلا للتباين الذي عاشته في جاهليتها وإسلامها
ومن هنا يظهر عِظَم المرأه , ويظهر تفوقها على رجال كثير مع أنوثتها وقصورها عن الرجل
ولو كانت الأمهات كأم سليم , وعائشه , وأم سلمه , والخنساء ,
رضي الله عنهم جميعا
لفضُلت النساء على كثير من
الرجال في عصرنا هذا
قال تعالى : (فالصالحاتُ قانتاتُ حافظاتٌ للغيب بما حفظَ اللهُ )
( النساء : 34)
فاتقو الله معاشر المسلمين واعلموا أن للأم مكانه غفل عنها جُلّ الناس بسبب ضعف الوازع
الديني المنجي من الوقوع
في الاثم والمغبه وعلينا جميعا ان نعلم أن الأم خير حانيه , لطيفة المعشر ’ تحتمل الجفوه
وخشونة القول , تعفو وتصفح قبل أن يُطلب منها العفو أو الصفح
حملت جنينها في بطنها تسعة أشهر , يزيدها بنموه ضعفا , ويحمّلها فوق ما تطيق عناء .
وهي ضعيفه الجسم
واهنة القوى , تقاسي مرارة القئ والوحام , يتقاذفها تمازح من السرور والفرح لا يحسّ به إلا الأمهات
يتبعها آثار نفسيه وجسميه , تعمل كل شئ اعتادته قبل حملها بصعوبه بالغه وشدة ,
تحمله وهناً على وهن , تفرح بحركته , وتقلق بسكونه
ثم تأتي ساعة خروجه فتعاني ما تعاني من مخاضها حتى تكاد تيأس من حياتها ؟
وكأن لسان حالها يقول ( ياليتني مِتُ قَبلَ هذا وَكُنتُ نسياً منسِيا)
(مريم : 22)
ثم لايكاد الجنين يخرج في بعض الأحايين غلاُ قسراَ وإرغاماَ فيمزق اللحم أو تبقر البطن
فإذا ما أبصرته إلى جانبها نسيت آلامها ؟!
وكأن شيئاً لم يكن إذا انقضى ثم تعلق آمالها عليه فترى فيه بهجة الحياة وسرورها
والذي تفقهه من قوله تعالى : ( المَالُ والبَنُون زِينَةُ الحَياةِ الدنيا)
( الكهف : 46)
ثم تنصرف الى خدمته في ليلها ونهارها , تغذيه بصحتها , وتنميه بهزالها , تخاف عليه من رقة النسيم
وطنين الذباب , وتؤثره على نفسها بالغذاء والنوم والراحه , تقاسي في أرضاعه وفطامه
وتربيته ما ينسيها آلام حملها ومخاضها
* تقول أمن عائشه رضي الله عنها : جاءتني مسكينه تحمل أبنتين لها فاطمعتها ثلاث تمرات
فأعطت كل واحده منهما تمره ورفعت إلى فيها تمره لتأكلها , فاستطعمتها ابنتاها
فشقت التمره التي كانت تريد أكلها بينهما فاعجبني شأنها فذكرت ذلك
للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله قد أوجب لها الجنه _ أو اعتقها من النار "
( رواه مسلم )
الله أكبر ……. ما أعظم الأم الصادقه المسلمه !!
لا … للعقـــــــــــوق
* ألا فليتقِ الله الأولاد , وليقدروا للأم حقها وبرّها ولنتهين أقوام عن عقوق الامهات قبل أن تحل بهم
عقوبة الله وقارعته
ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله علليه وسلم :
إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات , وعند أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: إن الله يوصيكم في امهاتكم قالها ثلاثاً
وعند الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إذا فعلت امتي خمس عشرة خصله حلّ بها البلاء …. وذكر منها : وأطاع الرجل زوجته
وعقَّ أمــــــــــــهُ !!
ليس هــــكذا تُــــــكرم الأم !!
يجب التنبه أيها الناس الى مكانة الأم وواجب الاولاد والمجتمع تجاهها لا يعني خرق حدود الله
في الشريعة أو تجاوزها إذ تلك حدود الله فلا تعتدوها فالأم لا تطاع في معصية الله
ولا يُقَدَّم قولها على قول الله ورسوله , ولا ينبغي أن يُتشبه بأهل الكفر في طقوسهم ومراسيمهم
مع الام
والتي هي ليست من نهج الإسلام في شئ
هذا وأدعو الله عز وجل أن يجعلنا من البارين بامهاتنا وآبائنا
ويجعلنا من الأمهات المقتديات بالرعيل الاول من النساء المباركات
وأن نؤدي حق أزواجنا وأولادنا أمام الله عز وجل
ونعطي كل ذي حقٍ حقه
اللهم إجعل هذا الطرح مباركا وتقبله منا
آمين آمين آمين
تقبلوا ودي وتقديري
اختكم في الله