اجتهدي في شعبان حتى لا تكتبي فيه من الغافلين
بيَّن النبي الأمين صلى الله عليه وسلم: أن شهر شعبان شهر يَغفلُ فيه الناس
فقال كما عند الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد-رضي الله عنهما-:
"ذلك شهر يغفل الناس عنه"
وإذا غفل الناس عن شعبان، لم يكن للمؤمنين أن يغفلوا عنه، فإن المؤمنين مُقْبِلون دوماً على ربهم، لا يغفلون عن ذكره، ولا ينقطعون عن عبادته، فهو سبحانه الذي يُدبِّر شئونهم، ويصلح أحوالهم، ويأخذ بنواصيهم إليه أخذ الكرام عليه, فالمؤمنون يعلمون أن البعد عن الله سبب الشقاء والخسران،
كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
(المنافقون:9)
فلذلك هم دائماً وقوف ببابه، يلذون بجنابه, عزهم في الانكسار والتذلل له، لذَّتُهم في مناجاته, حياتهم في طاعته وعبادته.
ويزدادون طاعة وعبادة في مواسم الطاعات، ويتعرضون للنفحات لعل الله أن يرزقهم الجنات، وينجيهم من اللفحات.
ويزدادون طاعة وعبادة كذلك في وقت الهرج, وحين يغفل الناس
ففي هذا الشهر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:
"ذلك شهر يغفل الناس عنه"
ينبغي للمؤمنين أن يكونوا في شأن غير شأن الناس, الذين هم أهل الغفلة.
كما قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ:
"المؤمن في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزِّها، له شأن وللناس شأن".
فعلى المؤمنين في وقت الغفلة أن يزدادوا قرباً وطاعة لله تعالى، وهذا ما كان يَحثُّ عليه النبيصلى الله عليه وسلم.
واعلمي أختي الحبيبة… أن العمل وقت الغفلة محبوبٌ لله تعالى, لذا حثَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
فاستحب النبي صلى الله عليه وسلم القيام وسط الليل وقت غفلة الناس
فقد أخرج الترمذي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه:
"إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن"
فهذا الوقت هو وقت نوم الناس وغفلتهم, فإذا قام المؤمن لرب العالمين ليفوز بجنة النعيم, فلا يستوي هو ومن آثر الوسادة على العبادة, وكما قيل: "من أراد الراحة، تَرَكَ الراحة "
ولذلك جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد عن أبى ذر رضى الله عنه :
"ثلاثة يحبهم الله: قوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يُعْدَلُ به، نزلوا فوضعوا رءوسهم , فقام أحدهم يتملقني (1) ويتلوا آياتي"
(1) يتملقني: يتضرع إليَّ بالثناء والدعاء.
ومعنى الحديث:أن هؤلاء القوم كان النوم لهم لا يعادله شيء فهو أحب شيء إليهم في هذا الوقت فناموا, لكن قام أحدهم حال تعبه، وحال كون النوم أحب إليه مما سواه، قام يدعو ربه ويتلو آياته ويتضرع إليه، فهذا هو نعيمه الذي لا يغنى، وقرة عينيه التي لا تنقضي، وهي سعادته العظمى وغايته المنشودة.
وفى يوم أخَّر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء إلى ثلث الليل فقال كما عند البخاري:
"ما ينتظرها- يعنى العشاء- أحد من أهل الأرض غيركم"
وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لصحابته: هذه الصلاة التي تُصلُّون إنما أنتم الذين تصلونها في الدنيا كلها، حال غفلة الناس عن الله تعالى.
ففي هذا الشهر الذي يغفل فيه الناس، عليكِ أختي الحبيبة أن تكوني أنتِ المقبلة حال فرار الناس، والمتصدقة حال بخلهم وإحجامهم وحرصهم… وأن تكوني القائمة حال نومهم وغفلتهم… وتكوني الذاكرة لله تعالى حين إعراضهم، فإن هذا سبب لمحبة الله تعالى لكِ.
واعلمي أختي الحبيبة… أن العمل على طاعة الله وقت غفلة الناس له فوائد منها:-
1. أنه أعظم للأجر:
فالعبادة في وقت غفلة الناس أشق على النفس، وأعظم الأعمال وأفضلها أشقها على النفس، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بمن حولها فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها " (لطائف المعارف صـ 183)
ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وأبو داود من حديث أبي ثعلبة الخشني:
" للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون"
وعند الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن من ورائكم زمان صبر، للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم"
وفي رواية:" للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم."
فتضاعف أجر الذين يتفردون بطاعة الله في وقت لا يجدون فيه معين، وتكثر فيه الغفلة، ويعم البلاء، ويكثر الفساد، فهؤلاء الغرباء الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال كما عند الإمام مسلم وأحمد:
" بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء " ـ وفي رواية:" قيل ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس" ـ وفي رواية:" يصلحون ما أفسد الناس " (السلسلة الصحيحة: 1273)
وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" العبادة في الهرج كالهجرة إليّ"
وعند أحمد بلفظ: " العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ"
وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه، ويعبد ربه، ويتبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم مؤمناً به متبعاً لأوامره، مجتنباً لنواهيه". ( لطائف المعارف صـ 184)
2. ومن فوائد العمل وقت غفلة الناس أنه يدفع البلاء:
يقول ابن رجب في "لطائف المعارف":
" إن المنفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يُدفع به البلاء عن الناس كلهم، فكأنه (أي المنفرد بالطاعة في وقت الغفلة ) يحميهم ويدافع عنه.
وقد قيل في تأويل قوله تعالى:{وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ } (البقرة: 251)
أنه يدخل فيها دفعه عن العصاة بأهل الطاعة.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:" يدفع الله مَن لا يُصلِّي بمَن يُصلِّي "
وهناك جملة من الآثار تشهد لهذا المعنى،ذكرها ابن رجب ـ رحمه الله ـ في "لطائف المعارف" صـ 84، 85، لكن لا تخلو من مقال منها:
ما جاء في الأثر: " إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله"
وفي بعض الآثار يقول الله تعالى:" أحب العباد إليَّ المتحابون بجلالي، المشَّاءون في الأرض بالنصيحة، الماشون على أقدامهم للجُمُعات، المتعلقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار، فإذا أردت إنزال عذاب بأهل الأرض، فنظرت إليهم صرفت العذاب عن الناس"
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي بسند فيه مقال عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبيصلى الله عليه وسلم قال:" ذاكر الله في الغافلين كالذي يُقاتل عن الفارِّين، ومَن يحج عمن لا يحج، وبمَن يُزكِّي عمَّن لا يُزكِّي "
وأخرج الطبراني في الكبير والبيهقى والبزار بسند فيه مقال عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مهلاً عن الله مهلاً فلولا عباد ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع ؛ لصب عليكم العذاب صباً."
وقال بعضهم:
وصبية من اليتـامى رُضَّع
ومهملات من الفلاةِ رُتَّع
صب عليكم العذاب الموجع
ويشهد لهذا المعنى أحاديث صحيحة منها:-
· ماأخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لقد هممت أن آمر رجلاً يُصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها(أي عن الصلاة)، فآمر بهم فيحرقوا عليهم بيوتهم "
زاد الإمام أحمد:" لولا ما في البيوت من النساء والذرية "
فالنساء والأطفال كانوا سبباً في دفع العذاب عن هؤلاء الرجال.
· وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً فجاءت عير من الشام، فانتقل الناس إليها حتى لم يبق معه إلا اثنى عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية التي في سورة الجمعة:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً} (الجمعة:11)"
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عندما بقي معه اثنا عشر رجلاً منهم أبو بكر وعمر، فقال فيما معناه:
" والله لو خرجتم جميعاً لصبَّ الله عليكم هذا الوادي ناراً"
ـ فدفع الله العذاب بهؤلاء الذين جلسوا مع النبيصلى الله عليه وسلم
ورأى أحد السلف في منامه من ينشد ويقول:
وآخرون لهم سرد يصومونا
لدكدكت أرضكم من تحتكم سحراً
لأنكم قوم سوءٍ ما تطيعونـا
· ويشهد لهذا المعنى أيضاً ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون "
ومعنى الحديث: أن أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم الأمان للأمة، ومن بعدهم كذلك، كلما كان فيهم صالح من الصالحين إذ بالله تعالى يجعله أمنة لهم وحفظاً لهم بما يقدم لله تعالى من العمل الصالح، من ذكر ودعاء وصيام وقيام وصلاة ونصح للمسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي في مصالح المسلمين، والقيام على ما يصلح شئونهم، والدعوة إلى الله… وغير ذلك مما يكون سبب في دفع البلاء عن المؤمنين، وصدق ربنا تعالى حيث قال: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } (البقرة: 251)
مما قرأت
موضوع رائع
احسنتِ الانتقاء غاليتي
تسلم يمناكِ بما طرحتِ
الله يجعل ما قدمتِ في موازين حسناتكِ
نسأل الله القبول والأخلاص
ودي وتقييمي
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وتقبل اللهم منا اعمالنا ووفقنا لمرضاته اللهم آميين
تقديرى وتقييمى البسيط