في وداع العام واستقبال العام الجديد 2024.

دار

الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه ونستهدِيه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا،
مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له،
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أمَر بالعمل وإخلاصه لله، وباغتنام الأوقات الفاضلة، صلَّى الله عليه وعلى آله
وصَحابته، الممتَثِلين لأوامره والمسارِعين في طلب الخير، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله – تعالى – واعلَموا أنَّه قد رحَل من بين أظهركم عامٌ ودَّعتموه بما أودَعتُموه من أعمال،
وحلَّ بكم عامٌ جديد، فودِّعوا عامكم المرتحل بالتوبة النَّصوح والاستغفار والندَم على ما فرَّطتم فيه،
واستَقبِلوا عامَكم الذي يحلُّ بالعمل الصالح والاستعداد لما بعد الموت، فإنَّ الليالي والأيام خزائن.

فانظُروا ماذا تصنَعون في خَزائنكم فغدًا تَجِدُون ما أودَعتُموه فيها، ودَّعتم عامًا من أعماركم شاهدًا لكم أو عليكم،
ويحلُّ بكم عامٌ أوَّله شهر محرم فاضِل فيه اليوم العاشر المخصوص بالأجر الجزيل،
رغَّب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في صيام هذا الشهر وفي صيام التاسع والعاشر منه؛
فعن أبي هريرة – رضِي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((أفضَلُ الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم، وأفضَلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل))[1].

وعن ابن عباسٍ – رضِي الله عنهما – قال: ((أمَر رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر))[2].

وعن أبي قتادة – رضِي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئِلَ عن صيام يوم عاشوراء فقال:
((يُكفِّر السنة الماضية))[3].

وعن ابن عباسٍ – رضِي الله عنهما – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم –
قَدِمَ المدينة فوجَدَ اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((ما هذا اليوم الذي تَصُومُونه؟)) قالوا: هذا يوم عظيم نجَّى الله فيه موسى وقومه،
وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرًا لله؛ فنحن نصومه، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم))[4].

فصامه رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأمر بصيامه.
وأمر – صلوات الله وسلامه عليه – بمُخالَفة اليهود؛ فعن ابن عباس – رضِي الله عنهما –
قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لئنْ بَقِيتُ إلى قابلٍ لأصُومنَّ التاسع))[5].

وعنه – رضِي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (
(خالِفُوا اليهودَ وصُوموا يومًا قبلَه أو يومًا بعده))[6].

فيا عباد الله:
حاسِبُوا أنفسَكم قبل أنْ تُحاسَبوا، وفكِّروا في ممرِّ الليالي والأيَّام، وانتهاء الشهور والأعوام،
وانقضاء الأعمار، فاستدركوا ما بقي من أعماركم؛ فإنَّ السنين تمضي والكثير في لهوٍ وغفلة لا تُؤثِّر فيه المواعظ ولا الحوادث،
قد مات قلبُه فلا يحسُّ بما يحدث وما يُحِيط به، همُّه إشباع بطنه وفرْجه،
وما يَدرِي المسكين أنَّ هذين الأمرين قد شارَكَه فيهما الحيوان، وأنَّ الله قد فضَّله وكرَّمه ووهَبَه العقلَ ليُميِّز
به بين الصالح والطالح والغث والسمين، وليَعمَل له بإخلاصٍ وصدق، وتكفَّل برزقه وأثابه على عمله؛
قال – سبحانه وتعالى -:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾
[الذاريات: 56-58].



وقال – جلَّ وعلا -:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
[النحل: 97].

فاتَّقوا الله يا عباد الله، واغتَنِموا أوقاتكم وفُرَصَ حياتكم للعمل بما تجدونه مُدَّخرًا لكم، وعَظ النبي –
صلَّى الله عليه وسلَّم – رجلًا فقال: ((اغتَنِم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمِك، وصحَّتك قبل سَقمك،
وغِناك قبل فَقرِك، وفَراغَك قبل شُغلِك، وحياتك قبل مَوتِك))[7].

إنَّها التوجيهات السامية والإرشادات القيِّمة، فربنا – جلَّ وعلا – يُبيِّن لنا ما خُلِقنا من أجله، ويُخبِرنا أنَّه قد تكفَّل
بأرزاقنا وأنَّه غنيٌّ عنَّا وأنَّنا الفقراء إليه، ونبينا – صلوات الله وسلامه عليه – يحثُّنا على العمل لله واغتنام فرص الحياة،
وهذه الدنيا مزرعة للآخرة ينبغي اغتنام الأعمال فيما، ولا سيَّما في الأوقات الفاضلة،
فالعاقل الناصح لنفسه يُحاسِب نفسه قبل أنْ يحاسب.

اللهمَّ وفِّقنا للعمل الصالح بما يُرضِيك، اللهمَّ إنَّا نسأَلُك أنْ تجعل عامَنا المنقضي مختومًا لنا بالأعمال الصالحات،
مُتَجاوزًا عنَّا فيه الخطايا والسيِّئات، وأ أنْ تجعل عامنا الذي يبدأ عام خير وعزٍّ للإسلام والمسلمين،
اللهم وَفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل في إعزاز دِينك وإعلاء كَلمتك، واجمَع قُلوبهم على
كلمة الحق ورفْع راية الإسلام، اللهمَّ اسلُك بهم صِراطَك المستقيم، وثبِّت أقدامهم على الطريق القويم،
اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّ دِينك، إنَّك سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ *
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [الروم: 14-16].

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

واعلَمُوا – رحمكم الله – أنَّه ينبغي ألاَّ يهمل في حَياته ولا يُفرِّط في أوقاته، وأنْ يغتنم شبابَه وقوَّته وصحَّته
وفَراغه في الأعمال الصالحة التي يجدُها مدَّخرةً، فهذه الحياة لا بُدَّ فيها من العمل،
فمَن شغَل أوقاته بالطاعة والأعمال المباحة التي يستَعِين بثَمراتها على طاعة مَوْلاه،
وإلا انشغل بما يلهي وبما يَعُود عليه بالضَّرَر في دِينه ودُنياه، وهذه الدار
مزرعةٌ للآخِرة، والكيِّس والحازم مَن يغتَنِم مواسم البذور، ويتعاهَد ما بذر وما غرس.

وعمل المؤمن لا نهايةَ له إلا الموت، فلا ينتَهِي بانتهاء موسمٍ من مواسم العبادة؛
كالصوم والحج مثلًا، بل كلُّ حياته مجالٌ للأعمال الصالحة، وإنْ كانت الأوقات تختَلِف باختلاف ما يعمل فيها من عبادات.

فحياة المؤمن سعادةٌ له في دُنياه وأُخراه إذا استغلَّها في مرضاة الله.

فحافِظُوا يا عباد الله على حَياتكم وأوقاتكم ولا تَدعُوها تذهب سُدًى أو تشغلوها بما
يضرُّكم في دُنياكم وأُخراكم، فقد يكسل البعض في وقتٍ من الأوقات عن أعمال دُنياه وأُخراه،
وهذه من الضياع الذي لا فائدة فيه، بل هو الضرر لصاحبه في دِينه ودُنياه، ولكن لا بُدَّ أنْ يعمَل ويتحرَّك بدنه
ويشغل نفسه، فإن شغلها في طاعة الله وإلا شغلته في معصيته، فاتَّقوا الله يا عباد الله وحاسِبُوا أنفسكم.

………………………………………….. ……..

[1] أخرجه مسلم (1163).

[2] أخرجه الترمذي (755)، وقال: حديث حسن صحيح.

[3] جزء من حديث طويل رواه مسلم (1162).

[4] أخرجه البخاري رقم (2004) – الفتح: 4/287، بلفظ قريب من هذا.

[5] أخرجه مسلم [134- (1134)].

[6] أخرجه أحمد في المسند (1/241) وابن خزيمة (2095) وعبدالرزاق (7839) من طريق البيهقي في سنته (4/287) موقوفًا على ابن عباس، وسنده صحيح.

[7] أخرجه الحاكم في مستدركه (ج 4 /306) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.







يالغلا
نور الله قلبك بذكره
ورزقك حبه وأعانك على طاعته
وأكرمك بجنته وبصحبة النبي محمد صلَّ الله عليه وسلم

دار


دار
دار

جزاكِ الله خير الجزاء حبيبتي

تسلم يمناكِ على الطرح الهادف

اسال الله ان لايحرمك اجره ويجعله شاهدا لك يوم القيامة

تقديري لكِ

فإنَّ السنين تمضي والكثير في لهوٍ وغفلة لا تُؤثِّر فيه المواعظ ولا الحوادث،
قد مات قلبُه فلا يحسُّ بما يحدث وما يُحِيط به، همُّه إشباع بطنه وفرْجه،

طرح رائع
جزاك الله عنا كل خير
وأثابك حسن الدارين
ومتعك برؤية وجهه الكريم
شكرا جميلا لقلبك
ورضا ورضوان من الله تعالى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Scroll to Top